الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

التأهب الأمريكي.. استعراض قوة أم استعداد حقيقي؟

القاهرة 24
مقالات
الخميس 12/يونيو/2025 - 03:33 م

في منطقة لا تهدأ فيها الأزمات، ولا يمر عام دون توتر جديد، يبدو أن الشرق الأوسط يقترب من منعطف خطير، تحركات عسكرية أمريكية، حالة استنفار في القواعد المنتشرة بالخليج، تعليمات بإجلاء رعايا من دول مجاورة لإيران، وضغوط مكثفة في الملف النووي.. كلها مؤشرات توحي بأن شيئًا ما يتم الترتيب له، وأن هناك احتمالًا  ولو بنسبة غير معلنة، لضربة عسكرية كبيرة قد تكون موجهة ضد إيران.

ليس من السهل الجزم بالسيناريو النهائي، لكن من يتابع المشهد بدقة يدرك أن التوتر لم يعد مجرد مناوشات سياسية، بل بات قريبًا من التحول إلى فعل عسكري واسع، وإن حدث ذلك، فإن تداعياته لن تتوقف عند حدود إيران وحدها.

ما يلفت الانتباه في الفترة الأخيرة هو حجم التحركات الأمريكية غير المسبوقة منذ بداية مايو الماضي، بدأ الجيش الأمريكي في إعادة تمركز قواته داخل بعض القواعد في الخليج العربي، خصوصًا في قطر والبحرين والكويت، كما تم رصد طائرات هجومية ثقيلة من طراز B-52 يتم نقلها إلى قاعدة "العديد"، ووصلت حاملات طائرات إلى المياه القريبة من مضيق هرمز، مع تحرك مدمرات في البحر الأحمر.

إلى جانب ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تعليمات لموظفيها بمغادرة بعض دول الجوار الإيراني، كالعراق ولبنان، ورفعت درجة التأهب في سفاراتها بالخليج.

هذه التحركات لا تدل عادة على مجرد تمرين روتيني، بل ترتبط عادة باستعداد لتصعيد محتمل أو ضربة عسكرية قيد الإعداد.


في الخلفية، يبدو أن الكيان الصهيوني حاضر في المشهد بقوة، وإن كان لا يُعلن ذلك بشكل مباشر، خلال الشهرين الأخيرين، كثّف من طلعاته الجوية فوق سوريا ولبنان، ونفذ تدريبات عسكرية وُصفت بأنها "غير معتادة" على جبهته الشمالية، وتحديدًا قرب الجولان والجليل الأعلى.

ورغم أن التصريحات العلنية لا تُظهر نية واضحة للحرب، فإن من الواضح أن هناك تنسيقًا عالي المستوى بين واشنطن وتل أبيب وهو تنسيق معروف منذ سنوات طويلة، لكنه الآن يأخذ شكلًا ميدانيًا أكثر كثافة.

لا يمكن تجاهل أن الكيان الصهيوني هو أكثر الأطراف رغبة في توجيه ضربة قاصمة للقدرات النووية الإيرانية، ورغم أنه لا يستطيع فعل ذلك وحده دون غطاء أمريكي، إلا أنه دائم الضغط من أجل تهيئة المناخ الدولي والعسكري لهذا السيناريو، الذي يظن أنه بداية لانطلاقة أكثر تحررًا في منطقة الشرق الأوسط.


السؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا يتصاعد التوتر بهذا الشكل الآن؟ الجواب الأقرب للواقع، هو التقدم الإيراني الواضح في ملف تخصيب اليورانيوم، فإنه وفقًا لتقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مايو الماضي، فقد وصلت نسبة تخصيب اليورانيوم لدى إيران إلى نحو 84%، وهي نسبة شديدة القرب من العتبة اللازمة لصناعة قنبلة نووية (90%).

ومع فشل المفاوضات الأخيرة في الدوحة، يبدو أن الخيار العسكري عاد مجددًا ليتصدر الطاولة.

من وجهة نظر أمريكية–إسرائيلية، لم يعد هناك متسع من الوقت قبل أن تصبح إيران دولة نووية "غير معلنة".

الخليج أصبح في مأزق الجغرافيا

رغم محاولات التهدئة والتقارب التي جرت بين دول الخليج وإيران خلال العامين الأخيرين، خصوصًا السعودية والإمارات، إلا أن هذه الدول قد تجد نفسها وسط ساحة النار إذا اندلع الصدام فعلًا.

العديد من القواعد العسكرية الأمريكية التي من الممكن أن تُستخدم في أي ضربة عسكرية، تقع داخل أراضي خليجية، وفي حال تم توجيه الضربة من هناك، فمن المتوقع أن تعتبر إيران هذه الدول جزءًا من المعركة، سواء أرادت أم لم تُرد، ولا ننسى أن الحرس الثوري الإيراني سبق أن توعد أكثر من مرة باستهداف القواعد الأمريكية في البحرين وقطر والكويت إذا تعرضت بلاده لأي عدوان مباشر.

مصر... أين تقف؟

مصر تبدو حتى الآن في موقع المراقب الحذر، فهي ليست طرفًا مباشرًا في أي تحالف عسكري هجومي، ولا تستضيف قواعد أمريكية على أرضها، ولا تربطها بإيران خصومة صريحة، وهذا يمنحها هامشًا نسبيًا للابتعاد عن الخطر المباشر، لكنها لن تكون بمنأى عن التأثير، فمثلًا قناة السويس ستكون من أول المتضررين إذا حدث اضطراب في الملاحة، وأسعار النفط ستشهد قفزات هائلة، ما سينعكس على الداخل الاقتصادي المصري، كما أن أي موجة تصعيد قد تسبب حراكًا سياسيًا أو إعلاميًا لا يمكن تجاهله.

هل نحن أمام استعراض أم استعداد حقيقي؟

بعض التحليلات ترى أن ما يحدث مجرد استعراض للضغط على إيران للعودة إلى المفاوضات، لكني شخصيًا أميل إلى الاعتقاد أن هناك ضغوطًا جدية لتنفيذ ضربة فعلية، ولو محدودة، فواشنطن تعلم أن الرأي العام الأمريكي لن يتحمل حربًا طويلة، لكنها لا تمانع في "ضربة محسوبة" تحقق أهدافًا استراتيجية، وتعيد رسم قواعد اللعبة، وأما الكيان الصهيوني، فهو دائمًا الأقرب إلى الضغط، بل والتصرف المنفرد أحيانًا إذا شعر أن الخطر الإيراني تجاوز الخطوط الحمراء.

من وجهة نظري، كل المؤشرات تقول إن هناك نية حقيقية لتغيير قواعد الصراع مع إيران، وإذا لم يحدث تدخل سياسي عاجل لإعادة الأمور إلى طاولة الحوار، فإن السيناريو العسكري سيكون مسألة وقت.

المنطقة بأسرها تقف على حافة، وإذا اندلعت شرارة المواجهة، فإن الكل سيدفع الثمن بدرجات متفاوتة.

الخليج سيكون في قلب العاصفة، ومصر وإن كانت أكثر تماسكًا، فلن تسلم من التأثر، وما بين ضربة مفاجئة أو رد شامل، ستكون الكلفة الإنسانية والسياسية فادحة.

 

تابع مواقعنا