خطة أذرع الأخطبوط.. كيف تخطط إسرائيل لإيران وما مخاطر المواجهة المرتقبة؟
ترى ما دوافع إسرائيل تجاه إيران إقليميًا ودوليًا؟ وما التداعيات المحتملة للتصعيد، والمخاطر التي قد تنتج عن السياسة العدوانية لتل أبيب وتأثيراتها على استقرار المنطقة؟
تتبنى إسرائيل منذ سنوات استراتيجية معلنة تهدف إلى تفكيك ما تصفه بـ أذرع الأخطبوط وهي الجماعات التي تعتبرها امتدادات للنفوذ الإيراني في المنطقة: حماس، حزب الله، والحوثيين، تمهيدًا لاستهداف الرأس، ممثلًا في إيران نفسها.
وتتزايد مؤخرًا، المؤشرات على أن إسرائيل ترى الظرف الحالي فرصة مواتية لتفعيل هذه الاستراتيجية بشكل أكثر جرأة، مستغلة ما تعتقده ضعفًا في الدفاعات الجوية الإيرانية نتيجة ضربات سابقة، إلى جانب السياق السياسي الدولي الذي يشهد مفاوضات نووية حساسة بين إيران والولايات المتحدة.
استراتيجية إسرائيل
تستند استراتيجية إسرائيل إلى رؤية طويلة الأمد تهدف إلى إضعاف ما يُعرف بـ محور المقاومة، وهو التحالف الذي تقوده إيران ويضم حلفاءها في لبنان والعراق وفلسطين واليمن.
وعلى مدار السنوات الماضية، نفذت إسرائيل مئات الضربات الجوية ضد أهداف مرتبطة بحزب الله في لبنان، وقوات إيرانية أو ميليشيات موالية لها في سوريا، إلى جانب دعم عمليات عسكرية ضد حماس في قطاع غزة.
هذه العمليات، التي غالبًا ما تُنفذ بدقة عالية وبدعم استخباراتي متقدم، تهدف إلى تقليص القدرات العسكرية لهذه الأطراف ومنعها من تشكيل تهديد وجودي لإسرائيل.
في الوقت ذاته، تعتقد إسرائيل أن الضربات المتكررة التي وجهتها لمنشآت عسكرية ونووية إيرانية خلال السنوات الأخيرة، إلى جانب العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران، قد أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية بشكل يجعلها عرضة لهجوم واسع النطاق.
هذا الاعتقاد يعزز ثقة القادة الإسرائيليين، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في أن الوقت قد حان لتوجيه ضربة حاسمة أو على الأقل لممارسة ضغط استراتيجي يحقق أهدافًا سياسية وعسكرية.
ضغوط داخلية
سياسيًا، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية كبيرة، حيث يتعرض لانتقادات حادة بسبب إدارته للأزمات الأمنية، مثل التوترات المستمرة في غزة والضفة الغربية، إلى جانب تحديات اقتصادية ناتجة عن تداعيات الجائحة والاستقطاب السياسي داخل إسرائيل.
يرى نتنياهو أن التصعيد ضد إيران يمكن أن يعزز صورته كقائد قوي وحاسم، خاصة بعد نجاحه الأخير في استقرار حكومته لمدة ستة أشهر إضافية، مما منحه هامشًا سياسيًا لاتخاذ قرارات جريئة.
تسريبات إعلامية تحدث عنها المحلل العسكري الإسرائيلي، دورون كادوش، في إذاعة الجيش الإسرائيلي، وتناقلتها وسائل إعلام أمريكية حول هجوم إسرائيلي وشيك ضد إيران، تعكس جزءًا من هذه الاستراتيجية.
التسريبات، التي تشمل تلميحات غامضة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتقارير عن إجلاء مواطنين أمريكيين من بعثات دبلوماسية في الشرق الأوسط، قد تكون جزءًا من حرب نفسية منسقة بين إسرائيل والولايات المتحدة تهدف إلى إضعاف موقف إيران في المفاوضات النووية.
ترامب نفسه أعرب مؤخرًا عن استيائه من تشدد إيران في المحادثات، مما يشير إلى أن واشنطن قد تستخدم هذه التسريبات لدفع طهران إلى تقديم تنازلات.
تفسيرات أخرى
هناك تفسيرات أخرى للتسريبات الإعلامية، فمن الممكن أن هذه التقارير محاولة أمريكية لثني إسرائيل عن تنفيذ هجوم فعلي أو تأخيره، خاصة في ظل استمرار المفاوضات مع إيران.
وعندما تنشر وسائل الإعلام الأمريكية، مثل NBC، تقارير تفيد بأن الهجوم الإسرائيلي المزمع لن يحظى بدعم أمريكي، فقد يكون ذلك محاولة متعمدة لإحباط الخطة الإسرائيلية، لأن فقدان عنصر المفاجأة يضع إسرائيل في موقف حرج، خاصة مع ارتفاع مستوى التأهب الإيراني.
تصريح ترامب العلني الذي حث فيه نتنياهو على الامتناع عن الهجوم في الوقت الحالي يدعم هذا التفسير، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على استقرار المفاوضات مع إيران دون الانجرار إلى صراع إقليمي.
في المقابل، هناك احتمال ثالث يتمثل في أن التسريبات تعكس حقيقة الاستعدادات الإسرائيلية، وأن هجومًا فعليًا قد يكون وشيكًا، سواء بدعم أمريكي أو بدونه.
زيارة وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي إلى قاعدة نفاتيم الجوية، التي تم الإعلان عنها علنًا مع نشر صور رسمية، تشير إلى استعدادات عسكرية متقدمة، ما يعزز هذا الاحتمال.
سيناريوهات الأحداث
في ضوء هذه التطورات، يمكن تصور عدة سيناريوهات لتطور الأحداث؛ السيناريو الأول يتمثل في تنفيذ إسرائيل هجومًا محدودًا يستهدف منشآت عسكرية أو نووية إيرانية بهدف إضعاف قدرات طهران دون إشعال حرب شاملة.
الهجوم في هذه الحالة قد يتضمن ضربات جوية دقيقة على مواقع لتطوير الصواريخ أو مفاعلات نووية، مشابهة للعمليات السابقة التي استهدفت منشآت نطنز وفردو.
ومع ذلك، فإن هذا السيناريو يحمل مخاطر كبيرة، حيث قد يثير ردود فعل من حزب الله في لبنان أو الميليشيات الموالية لإيران في العراق، مما يوسع نطاق الصراع إلى جبهات متعددة.
أما السيناريو الثاني فيتضمن استمرار إسرائيل في شن حرب نفسية دون تصعيد عسكري فعلي، حيث تكتفي بالتلويح بالهجوم لتحقيق أهداف سياسية، مثل عرقلة المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، أو تعزيز موقف نتنياهو الداخلي أمام ناخبيه.
هذا النهج يتيح لإسرائيل الحفاظ على الضغط على إيران دون المخاطرة بحرب مكلفة، أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر خطورة، فيتضمن تصعيدًا إقليميًا شاملًا نتيجة هجوم إسرائيلي كبير.
في حال نفذت إسرائيل ضربة واسعة النطاق ضد إيران، فقد تؤدي ردود الفعل الإيرانية، التي قد تشمل هجمات صاروخية مباشرة أو عبر وكلائها، إلى حرب إقليمية تشمل لبنان وسوريا وربما العراق واليمن، ما يهدد استقرار المنطقة بأكملها.
مخاطر جسيمة
رغم ثقة إسرائيل في قدرتها على تنفيذ هجوم ناجح، فإن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر جسيمة قد تنقلب ضدها.
أولًا، إيران رغم ضعف دفاعاتها الجوية، تمتلك ترسانة صاروخية متقدمة وطائرات مسيرة قادرة على استهداف مواقع إسرائيلية حساسة، مثل القواعد العسكرية أو البنية التحتية في تل أبيب وحيفا.
وإذا اختارت إيران الرد مباشرة أو عبر حزب الله، فقد تواجه إسرائيل هجمات صاروخية مكثفة على جبهتها الداخلية، مما يضع ضغطًا هائلًا على نظام الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية.
ثانيًا، تنفيذ هجوم دون دعم أمريكي، كما أشارت تقارير NBC، قد يعرض إسرائيل لمخاطر استراتيجية كبيرة، خاصة إذا خسرت عنصر المفاجأة نتيجة التسريبات الإعلامية.
الولايات المتحدة، التي تسعى لتجنب صراع إقليمي قد يعرقل أولوياتها الداخلية والدولية، قد تتردد في تقديم دعم عسكري مباشر، مما يترك إسرائيل وحيدة في مواجهة تداعيات الهجوم.
ثالثًا، تصعيد التوترات مع حزب الله أو حماس قد يفتح جبهات متعددة، حيث يمتلك حزب الله وحده عشرات الآلاف من الصواريخ القادرة على استهداف عمق إسرائيل، بينما قد تستغل حماس الوضع لتكثيف عملياتها في غزة والضفة الغربية.
هذا الوضع قد يرهق الجيش الإسرائيلي ويعرض المدنيين لخطر غير مسبوق. رابعًا، استمرار إسرائيل في عرقلة المفاوضات النووية قد يؤدي إلى عزلتها دوليًا، خاصة مع انتقادات متوقعة من الدول الأوروبية التي تدعم إحياء الاتفاق النووي كوسيلة لتجنب التصعيد.
تداعيات عميقة
من الناحية الإقليمية، فإن أي تصعيد إسرائيلي ضد إيران سيكون له تداعيات عميقة على دول المنطقة. في لبنان، قد يرد حزب الله على هجوم إسرائيلي بضربات صاروخية مكثفة، ما يعمق الأزمة الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها البلد بالفعل.
في دول الخليج، التي بدأت مؤخرًا في تحسين علاقاتها مع إيران كجزء من استراتيجية لتخفيف التوترات الإقليمية، قد تجد نفسها في موقف حرج، حيث تضطر إلى التوازن بين دعم الحليف الأمريكي والحفاظ على قنوات الحوار مع طهران.
بالنسبة للولايات المتحدة، فإن أي تصعيد إسرائيلي قد يعرقل جهود إدارة ترامب لإحياء الاتفاق النووي أو التوصل إلى تفاهمات جديدة مع إيران، ما يزيد من تعقيد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
تسعى إسرائيل لاستغلال الظروف الحالية لتحقيق مكاسب استراتيجية ضد إيران، سواء من خلال هجوم عسكري محدود، أو حرب نفسية مكثفة، أو عرقلة المفاوضات النووية. ومع ذلك، فإن هذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر.
وقد تؤدي إلى رد إيراني غير متوقع، أو فتح جبهات متعددة، أو فقدان الدعم الأمريكي، أو حتى عزلة دولية، الأيام والأسابيع المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في تحقيق أهدافها أم أنها ستجد نفسها في مواجهة تداعيات كارثية تهدد أمنها واستقرار المنطقة بأسرها.
التوازن الدقيق بين الضغط الاستراتيجي والمغامرة العسكرية سيحدد مسار الأحداث، وسط مشهد إقليمي معقد يتطلب حذرًا شديدًا من جميع الأطراف.


