الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

حرب إيران وإسرائيل.. 7 أكتوبر كلمة السر

الأحد 15/يونيو/2025 - 11:24 م

ما جرى في 7 أكتوبر 2023 بدا وكأنه مجرد عملية مسلحة، تضرب أركان العدو، لم يكن يعلم أبرز المتوقعين أنها بداية مرحلة جديدة من الحرب الطويلة، ولحظة فاصلة قلبت موازين المنطقة رأسًا على عقب، كثيرون اختلفوا مع تفاصيل تلك اللحظة، وربما مع توقيتها، لكن الحقيقة أن ما حدث بعدها لم يكن إلا نتيجة منطقية لمسار طويل من التراكمات كان لا بد أن يقع، مهما تأخر.

ولا ينكر أحد أن العدوان على غزة كشف هشاشة الكيان الصهيوني، وأظهر قدر المقاومة على الصمود في أحلك الظروف، هذه الحرب لم تكن مجرد معركة بين جيشين، بل صراع إرادات، وعلى مدى سنة و8 أشهر، أدارت المقاومة الفلسطينية المواجهة بنَفَس طويل، رغم الحصار، ورغم الخسائر، ورغم التواطؤ المكشوف من بعض الأطراف، ورغم التخاذل الواسع، ورغم التحالف الكبير الذي شاركت فيه القوى العظمى بشكل واضح في المواجهة، ورغم ضحالة الإمكانيات لدى المقاومة، ولم ينتصر الاحتلال في مواجهات مباشرة بقدر بسط عضلاته على العُزّل والأبرياء.

لكن الأهم أن هذه الحرب بما حملته من كشف للحقائق وتبدد للأوهام، فتحت الباب أمام مشهد أوسع، فإسرائيل التي كانت تظن أن ضرب غزة سيحمي عمقها، وجدت نفسها فجأة في اشتباك مباشر أو غير مباشر على جبهات متعددة، مثل جنوب لبنان، اليمن، ثم أخيرًا إيران.

الاشتباكات لم تكن وليدة اللحظة بل سبقتها مقدمات متعددة، فعمليات الاغتيال السابقة، والاختراق المخابراتي الذي اعترفت به إيران، ولم تستطع السيطرة عليه حتى الآن، كلها مقدمات لما آلت إليه المرحلة، ولعل أيضًا المشروع الإيراني النووي يمثل العقدة الكبرى لإسرائيل في المنطقة، في ظل مخططها التوسعي الذي يسعى إما لتطبيع العلاقات بشكل يساعدها في مشروعها، أو تحطيم كل عوامل القوة في الشرق الأوسط.

الضربات الإيرانية الأخيرة لم تأتِ فجأة، بل هي نتاج طبيعي للتراكم الذي بدأ منذ الـ7 من أكتوبر، وبعد الانكشاف السياسي والأخلاقي لإسرائيل، وعجزها عن الحسم في مواجهة ضربات اليمن، وضربات حماس، وتراجع هيبة الردع الأمريكي في المنطقة، كلها عوامل جعلت الحرب الحالية بين إيران والكيان أمرًا لا يمكن تجاوزه، ووقوعه كان حتميا، فلا يمكن للمشروع الصهيوني الذي ترعاه أمريكا أن يكتمل في وجود القوة الإيرانية، التي تتبنى القضية الفلسطينية، وترعى مقاومتها بالسلاح، فأمريكا وإسرائيل يعتبران طهران رأس المقاومة الإسلامية، ولا قضاء على حماس إلا بكسر شوكة إيران وضعف قوتها وتحييد موقفها.

ورغم محاولة واشنطن التخفّي، فإنها اليوم مضطرة للظهور للحديث للتفاوض، وربما للمشاركة إن اضطر الأمر إلى ذلك سبيلا، أمريكا لا تريد الانجرار، لكن الأحداث تجرّها جَرًّا، وكلما حاولت أن تمسك بالخيوط من جديد، وجدت أن الأرض تحت قدميها لم تعد كما كانت، خاصة بعد الضربات القوية التي تلقتها إسرائيل على مدار يومين ماضيين.

ما نراه اليوم ليس صراعًا عسكريًا فقط، بل مواجهة بين مشروعين، مشروع تمدد صهيوني قائم على القوة والتحالفات المصطنعة يتزعمه البيت الأبيض، ومشروع مقاومة إقليمي بدأ يستعيد صوته وصورته.. لذلك من الطبيعي أن نعترف بأن إيران في هذا السياق، لم تعد مجرد دولة، بل تمثل موقفًا ممتدًا من غزة إلى الخليج، ومن بيروت إلى صنعاء.

لكن رغم ذلك، فعلى إيران أن تنتبه، لأن الانتصار الخارجي لا يكتمل بدون حصانة داخلية، فحجم الاختراقات الناعمة والعميقة التي وصلت إلى الداخل الإيراني لم يعد سرًّا، بل أصبح الأمر ظاهرًا للصديق قبل العدو، والمعركة لا تزل طويلة، وأدواتها تتجاوز الطائرات والصواريخ، إلى حرب معلومات، وحرب أعصاب، وحروب ناعمة لكنها في هذا العصر أصبحت أكثر فتكًا وفاعلية.

ربما نحيا اليوم لحظة فاصلة فعلًا، وربما ما يجري الآن هو "بداية النهاية" كما يصفه البعض، أو هو مجرد فصل جديد في معركة طويلة لن تتوقف قريبًا، لكن الثابت أن الشرق الأوسط لم يعد كما كان قبل أكتوبر 2023، الذي كان بداية السقوط الرمزي للردع الإسرائيلي، واشتباك طهران وتل أبيب اليوم هو تأكيد أن الصراع خرج من نطاق الظل، وأن الحسابات القديمة لم تعد تصلح.

المرحلة القادمة غالبًا لن تكون أقل اشتعالًا، حتى وإن حدث هدوء متوقع في الأيام المقبلة، فإنه لن يدوم، وأمريكا التي تحاول لعب دور الحكم لن تبقى طويلًا خارج خطوط النار، والمنطقة كلها، بكل أطرافها، ستدخل من جديد في اختبار طويل، سيكون فيه الثبات والصمود والمصداقية والوعي بالتحديات، وإدراك الحقيقة التي يحاول البعض طمسها أو تحييد موقفه منها أقوى وسيلةً من كل الأسلحة.

تابع مواقعنا