تكليف أسنان دفعة 2023
في عام 2023، أنهيت دراسة استغرقت من عمري سنوات طويلة من الاجتهاد والمثابرة والصبر، تخرجت من كلية طب الأسنان، حاملا معي حلما كبيرا، يتقاطع مع أحلام آلاف من زملائي الذين سلكوا الطريق ذاته، متشبثين بالأمل، واثقين أن نهاية هذا الدرب ستكون بداية لحياة مهنية حقيقية، ونافذة نطل منها على المستقبل.
لم تكن الرحلة سهلة، سنوات من الدراسة المرهقة، والضغوط النفسية، والعبء المالي الذي أثقل كاهل عائلاتنا، مضت أعمارنا بين المحاضرات والمعامل والمستشفيات، نغالب الخوف من الإخفاق ونستند إلى إيماننا بأن ثمرة الجهد لا تضيع داخل مصر وخارجها.
ثم جاءت سنة الامتياز، تلك السنة التي من المفترض أن تنقلنا من قاعات الدراسة إلى ميادين الواقع، تعلمنا خلالها كيف نتعامل مع المرضى، كيف نستخدم ما درسناه في خدمة الإنسان، كيف نشخص ونعالج ونصغي ونقدر، وخلالها، أدركنا أن الطب ليس علما فحسب، بل رسالة إنسانية عظيمة.
كما أنني لا أنكر رغم ثقلها المادي والنفسي والمجهود الذي استنزفته مني طوالها هنا في مصر، إلا أنني مدينا لكل لحظة مضيتها داخل عيادات قصر العيني التي تعلمت فيها أشياء إنسانية قبل العلمية كثيرة.
أدركت كم من الممكن أن أكون أنا ذلك الأمل الأخير الذي يتعلق به مريض أتى من أقاصي الصعيد ليجد فرصة وخدمة طبية حقيقية تقدم له، وتخفف من على كاهله عبء الألم والمال.
أدركت أن الطب قبل أن يكون مهنة هو رسالة سامية، تقدم للكل دون تمييز ودون انتظار مقابل، وأن فرحة مريض بعد انتهاء الخدمة تساوي راحة من كل مجهود بدني استنزف اثناء جلسة العلاج.
ولكن أنهيت سنة الامتياز في ديسمبر من عام 2024، وكنت أظن، كما ظن غيري، أن الخطوة التالية ستكون واضحة، صدور قرار التكليف، والالتحاق بمكان نتدرب فيه، نمارس فيه ما تعلمناه، ونبدأ من خلاله رحلة الطب الحقيقية.
لكننا انتظرنا، وها قد مر ما يزيد عن 7 أشهر، دون أن يصدر أي قرار رسمي يحدد ملامح الطريق، لم تعلن خطة، ولم يحدد جدول، ولم تصلنا إجابة واحدة تضع حدا لأسئلتنا الكثيرة، أصبحت الأيام تمضي ثقيلة، نحمل في صدورنا قلقا مضاعفا، ونخفي خيبة لا نستطيع إخفاءها عن أهلنا الذين ينتظرون منا أن نبدأ، أن نثمر، أن نرد ولو جزءا من تعبهم.
نحن لسنا أفرادا متفرقين، بل أكثر من 12 ألف طبيب أسنان حديث التخرج، يمثل كل منا أسرة بأكملها، تقف خلفه وتراهن عليه، 12 ألف بيت مصري يتقلب بين الانتظار والرجاء، ويصارع الإحباط، ويتساءل: هل من المعقول أن نصل إلى هذا الحد من الغموض، بعد أن اجتزنا سنوات التعليم والامتياز؟
الواقع الذي نعيشه اليوم جعل الحلم الذي طالما تمسكنا به يبدو كأنه سراب، أصبحنا نشعر أننا معطلون عن الحياة، جالسون في بيوتنا دون فرصة حقيقية، دون تدريب، دون عمل، دون وضوح، الأطباء الجدد الذين ولدوا من رحم الكفاح، باتوا ضائعين في متاهة من الانتظار غير المبرر.
ما نشعر به ليس مجرد حزن عابر، بل خوف حقيقي من أن تضيع سنوات عمرنا في فراغ قاتل، نخشى أن يتحول الحلم إلى عبء نفسي واجتماعي، وأن تفقد شهاداتنا معناها أمام هذا الانسداد في الطريق. نحن لا نطلب امتيازات، بل نطالب بحقنا في أن نبدأ، في أن نخدم بلدنا، ونرد جزءا مما أخذنا من مؤسساته التعليمية والصحية.
ومن هنا، نوجه نداء من القلب، إلى الدكتور خالد عبد الغفار، وزير الصحة، وجميع المسئولين المعنيين بالأمر، أن يساعدونا لنكمل المسيرة التي بدأناها بإيمان وحب لهذا الوطن، نرجو أن يكون الغد أفضل، وأن تصبح بداية الطريق واضحة، حتى نتمكن من السير فيه بثقة وثبات.
نريد أن يكون الغد جميلا في أعيننا، كما أردتم دوما لمصر أن تكون جميلة، آمنة، عادلة، قوية بأبنائها، وفخورة بعلمها.