من غزة إلى إيران.. هروب نتنياهو إلى الخلف
منذ أيام، وأثناء انتظار جلسة مباحثات بين إيران والولايات المتحدة في قطر للتوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، وعلى الرغم من نفي ترامب غير المباشر لإمكانية توجيه ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، مع التنويه بعدم استبعادها، بما أوحى بأن أي عمل كهذا لن يحدث قبل الجلسة المنتظرة، وفوجئت إيران، ومعها الجميع، بضربة إسرائيلية فجرًا بدت من نتائجها أنها مخططة بدقة، وبرز فيها الطابع الاستخباراتي بوضوح، مما كشف عن اختراق كبير داخل إيران، أوصل للعدو الإسرائيلي معلومات بالغة الخطورة عن أماكن إقامة علماء نوويين إيرانيين، وتوقيتات تواجد قادة كبار في الجيش والحرس الثوري الإيراني.
أدت الضربة إلى مقتل عدد من العلماء النوويين البارزين، وقائد الحرس الثوري، ورئيس هيئة أركان الجيش الإيراني، وعدد من القادة الكبار.
ربما ظن نتنياهو أن ضربة بهذه القوة ستربك إيران لفترة طويلة، وتضعف قدراتها، مما يجعل ردها محدودًا وقابلًا للاستيعاب، على أن يأتي بعد أيام وعلى مراحل، لكن ما حدث كان العكس تمامًا، إذ جاء الرد الإيراني بعد ساعات، وبمنتهى القوة، حتى رأينا منذ ذلك الحين وحتى الآن مشاهد تشبه ما يجري في غزة منذ أكثر من عامين.
كل ذلك يحدث، ونتنياهو يخرج بعدها ليبرر فشله وجره لإسرائيل إلى مستنقعات الحرب والدمار بحجة أنه يحميها، والحقيقة أنه يحمي نفسه، ويحاول إطالة فترة وجوده في السلطة، وإنقاذ مستقبله السياسي الذي أصبح على الحافة، حتى لو أحرق العالم، وفي قلبه إسرائيل، بمنطق أنا أو لا أحد بعدي.
وعندما انحصر نتنياهو في زاوية غزة، التي كان إجباره على إنهاء الحرب فيها وشيكًا، بادر بإشعال معركة غير مبررة مع إيران، محاولًا الهروب إلى الأمام، أو بالأحرى إلى الخلف، بحثًا عن مخرج ينقذه من مأزقه.
والمستغرب أن ترامب، رغم إعلانه المستمر عن عدم انخراط أمريكا في هذه الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، يبدو وكأنه يسير خلف نتنياهو في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، ويُبقي الباب مواربًا أمام إمكانية التدخل، وهو ما أعلنت إيران بوضوح أنها لن تمرره دون إشعال المنطقة بأسرها، بضرب القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط، ومعروف أن أغلبها في منطقة الخليج، التي ستكون أول من يدفع ثمن هذا الجنون والتهور، إن طال أمد الحرب واتسعت رقعتها.


