نائب رئيس الوفد: ما يدور في الإقليم ليس مجرد صراع نفوذ.. وما حدث للحزب عام 1953 كان مصادرة لدور سياسي
قال النائب خالد قنديل، عضو مجلس الشيوخ البارز ونائب رئيس حزب الوفد، إن ما يجري في الإقليم ليس مجرد صراع نفوذ، بل إعادة ترسيم للوعي السياسي والجغرافي لصالح قوى الهيمنة، موضحًا أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة في قلب إيران لم تكن حدثًا معزولًا، بل فصلًا متقدمًا في مسار طويل من تفكيك مراكز القوة الإقليمية، تَسبقها دائمًا مقدمات إعلامية ودبلوماسية تُشيطن، وتُبرر، وتُمهد باسم "الردع" أو "الخطر النووي".
وأوضح قنديل في تصريحات صحفية أن السياسة المصرية تبدو نموذجًا للحكمة المتماسكة؛ فهي لا تنساق إلى لعبة الاستقطاب، ولا تسمح بأن تكون جزءًا من ذريعة مفتعلة لتفجير المنطقة. فمصر تُدرك أن الحفاظ على التوازن ليس موقفًا حياديًا، بل خيار استراتيجي لحماية الذات، والتمسك بمبادئ السلام، دون التفريط في الثوابت أو السيادة. إن مصر، بتاريخها وموقعها، لطالما كانت مستهدفة، لا فقط كأرض، بل كرمز لاستقرار لا تريده بعض القوى الفاعلة في المشهد الدولي.
وأكد أن هناك قوى لا تزال تحاول إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط على مقاس الكيان الإسرائيلي، بوصفه وكيلًا متقدمًا للنفوذ الغربي في المنطقة، لكن مصر – رغم كل الضغوط – ثبتت موقعها كدولة توازن ومبادرة، لا تابعة ولا معزولة، مشيرًا إلى أن القاهرة استطاعت أن تُعيد بناء شبكة تحالفاتها من جديد: علاقات قوية مع العالم العربي، حضور متجدد في إفريقيا، وانفتاح ذكي على الغرب والشرق معًا، دون أن تفقد صوتها أو قرارها. هذه السياسة ليست ارتجالًا، بل تعبيرٌ عن مدرسة مصرية في إدارة العلاقات الدولية: واقعية بلا انكسار، واستقلال بلا صدام، وعقلانية تُدير التناقضات لا تهرب منها.
وبشأن دور مصر في دعم القضية الفلسطينية، أكد أن الملف الفلسطيني ليس قضية خارجية بالنسبة لمصر، بل امتداد لضميرها التاريخي ومركز هويتها الجيوسياسية. وتحركات الدولة المصرية الأخيرة، من فتح المعابر إلى التحركات الدبلوماسية، تعبر عن استمرار هذا الدور، حتى وإن بدت هذه التحركات جزئية أمام حجم المأساة وسؤال المصير، فإن موقف مصر حيال هذا الملف الأخطر في الشرق هو الأهم في إبقاء القضية الفلسطينية قضية الوطن والأمة. ليس فقط من خلال الواجب الوطني البديهي بإدخال المساعدات، والغذاء، والمنازل المجهزة، والدواء، وقبل ذلك الانخراط المستمر على جميع المستويات في جميع المحافل لوقف ممارسات الاحتلال، وطرح الرؤية المصرية بحقوق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، فضلا عن التواجد الدائم في مبادرات الإصلاح بين الداخل الفلسطيني، والتواجد كمفاوض رئيسي لوقف إطلاق النار، وكلها جهود لا ينكرها إلا جاحد.
وعن رسالة حزب الوفد للحكومة، أكد أنها الاستعداد لسماع ما لا يعجبها: المعارضة ليست عبئا على الدولة، بل صمام أمانها الأخلاقي والدستوري، والشرعية الحقيقية لا تبنى على الإجماع المصنوع، بل على الاختلاف المسموع.
وأضاف: نحن لا نطالب بحوار شكلي، بل بنوافذ تفتح بصدق، تنصت فيها السلطة لا تملي، ويشارك فيها الفكر لا يكتفي بالحضور. فحين تغلق أبواب النقد، تنفتح نوافذ الاحتقان.
كما تطرق إلى الضغوط الخارجية الاقتصادية على مصر، مؤكدا أن الخطر لا يكمن في وجودها، بل في غياب الرؤية الوطنية الصلبة التي تحول الضغط إلى فرصة، لا إلى تبعية. فكل دولة نامية على مفترق التمويل الدولي، تتعرض لمعادلة: الإصلاح مقابل الاستقلال، أو التمويل مقابل التنازل. ومصر، بحكم موقعها وثقلها، تواجه ضغوطا اقتصادية خارجية لا يمكن إنكارها. لكننا نثمن أن الدولة المصرية تدير هذه التحديات بإرادة واضحة للحفاظ على سيادتها وقرارها الوطني المستقل، دون عزلة عن العالم أو ارتهان لقوى الخارج. لقد اتخذت القيادة السياسية خطوات مدروسة لتحقيق هذا التوازن الصعب: انفتاح اقتصادي مدروس يجذب الاستثمار، دون التفريط في الثوابت الوطنية أو ترك القرار المصري في يد المؤسسات الدولية. وهذا ما نعتبره نموذجا متقدما من إدارة الانفتاح بعقل أمني واقتصادي متكامل.
وفيما يتعلق باستعدادات حزب الوفد للانتخابات الرئاسية، أكد أنها لا تنطلق من رغبة في التمثيل، فالانتخابات في رؤيتنا ليست سباقا إلى السلطة، بل لحظة لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.
وأضاف: ولهذا بنينا خطتنا على إعادة إنتاج الدور الطبيعي للحزب: حاملا للرؤية، لا تابعا للتوازنات. نخوضها بشجاعة، لا طمعا في عدد، بل تمسكا بمسؤولية تاريخية: أن يبقى في مصر حزب يقول لا حين تفرغ السياسة من معناها، ويقول نعم فقط حين يكون الوطن هو المعنى.
وسلط قنديل الضوء على مطالبة الحزب الأخيرة برد ممتلكاته التي صادرها مجلس قيادة الثورة، قائلا: ليس مجرد مطالبة مالية، بل عنوان لمعركة ذاكرة. نحن لا نطلب تعويضا، بل نستعيد حقا صادره التاريخ السياسي بقوة السلطة، لا بشرعية القانون. الدعوى التي رفعها رئيس حزب الوفد، الدكتور عبد السند يمامة، ليست إجراء قانونيا فحسب، بل إعلانا مبدئيا بأن ذاكرة الأمة لا تنهب، ومؤسساتها التاريخية لا تختزل في بلاغات النسيان.
واستكمل: ما حدث عام 1953 لم يكن فقط مصادرة لمقرات وأموال، بل كان مصادرة لدور سياسي، وإرث مؤسسي، وأسلوب في التفكير الوطني. نحن نطالب برد الأموال التي كانت تقدر حينها بـ90 ألف جنيه، وتعادل اليوم نحو 658 مليونا، لأن استمرار حجبها لا تسقطه الأيام.


