كلمة حق أمام الجمعية العامة
تابعت باهتمام واعتزاز وفخر شديد الكلمة التي ألقاها السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة الجمعية العامة الاستثنائية المعنية بالأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كانت الكلمة كاشفة ومميزة، ومعبرة عن كل مصري، بل كل عربي، وتجسيدًا منطقيًا عن أحرار العالم كله، التي انتفضت ضد شعوبها ترفض الإبادة الجماعية، والمجازر المروعة، والعدوان الهمجي، الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.
بدَا سفيرنا المصري المحترم وكأنه يصرخ في العالم أن يستيقظ من غفوته، أن يستنهض ضميره أمام الصمت المميت في السماح باستمرار الانتهاكات والتجاوزات التي يمارسها العدو الصهيوني ضد الفلسطينيين. فكل الجرائم تُبث على الهواء مباشرة، لن تكذب العين الحقيقة الواضحة: بيوت مدمرة، وقتلى تحت الأنقاض، ومستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس عبارة عن أنقاض. لم يُترك حجر على حجر. حصار وتجويع، وعدم السماح بدخول المساعدات الإنسانية، من عدو لم يحترم يومًا قرارًا أمميًا، وواصل انتهاكه لكل الأعراف والتقاليد الدولية، وانتهاكًا صارخًا لمواثيق حقوق الإنسان.
كانت كلمات السفير كالرصاص، المفترض أن تُحرّك العقول الساكنة، والأيادي المرتعشة لتنتفض لإنقاذ الفلسطينيين.
تؤكد الكلمة دور مصر التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، وترسخ في كل العقول أن مصر مواقفها ثابتة وراسخة في دعمها المطلق، وأن مصر لا تترك محفلًا دوليًا إلا وكانت القضية حاضرة دائمًا على الطاولة. فطرقت كل الأبواب والمحافل الدولية دبلوماسيًا، عبر التشاور والتعاون مع كل الشركاء المعنيين، ليصل صوت فلسطين، ويُبرز معاناتهم، ويؤكد أحقيتهم في إقامة دولتهم المستقلة، وتعمل على مواصلة الضغط لوقف الحرب والعدوان عليهم.
كما عبّر معالي السفير عن كل المصريين في التنديد بكل أشكال العدوان الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وطالب بوقف إرهاب المستوطنين لسكان الضفة الغربية، وإنهاء الحصار الإسرائيلي على غزة، ووقف التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس الشرقية، وأن تتوقف فورًا انتهاك حرمة المسجد الأقصى، ورفع جميع القيود على عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. فكان صوتنا جميعًا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أُثمن دعوته كل أعضاء الجمعية العامة إلى ضرورة الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشرقية، ومنحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، لأنه الخيار الوحيد لإقرار السلام بالمنطقة. وأنه آن الأوان أخلاقيًا وإنسانيًا أن تتوقف كل تلك التجاوزات والانتهاكات والعذابات، وأن ينعموا بالسلام في دولتهم المستقلة.
كما أُثمن دعوته لإصلاح مجلس الأمن، وإعادة النظر في استخدام حق النقض (الفيتو)، الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة العدالة وعدم إقرار السلام، مما يزيد العدو تجبرًا وتجاوزًا، ويزيد غيّه في مواصلة عدم احترام القانون الدولي والقرارات الأممية، وما صدر من كل المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية في التنديد بالعدوان الصهيوني. وواصل القتل والإبادة بغطاء هذا الفيتو، والرعاية الأمريكية التي تتجاوز كل الأعراف. بل وصل التجاوز من الراعي أن يُعاقب من يُدين عدوان الاحتلال ومجازره، وهذا ما جعلها لا تحترم القانون الدولي، والحقوقي، والإنساني، واستمرت في طغيانها وجرائمها وانتهاكاتها وعدوانها غير المبرر، والآثم، طالما أمنت العقاب. لكن هذا الفيتو غير الأخلاقي يقف دائمًا عائقًا في إقرار السلام وتحقيق العدالة.
وعندما نادى أعضاء الجمعية العامة، كان ينادي بصوت كل أحرار العالم أن ينصتوا لصوت ضمائرهم، ويتخذوا موقفًا إيجابيًا لإعادة الاعتبار لمفهوم العدالة الدولية، وإعادة الاعتبار والتقدير والاحترام لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، التي أضاعت هيبتهم الولايات المتحدة، ومن بعدها ظلّها إسرائيل.
كما أدان معالي السفير في كلمة مصر الهجمات والعدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واعتبر ذلك انتهاكًا وخرقًا واضحًا لميثاق الأمم المتحدة، ولسيادة الدول، وأنه يجب احترام الشرعية الدولية، واحترام قواعد حسن الجوار، والعمل الدائم على خفض التوترات السياسية.
وأن الحل العسكري لن يأتي بسلام، إنما يزيد من وتيرة النزاعات، ويُعمق الخلافات، ويجب أن نسلك المسار السياسي لتسوية النزاعات وحل الخلافات، لأن استمرار التصعيد دون تسوية سياسية يُنذر بتداعيات وخيمة على منطقة الشرق الأوسط.
كما عرض رؤية مصر لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل دون انتقائية، والتمسك بضرورة انضمام كل الدول لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وأن مصر تسعى دائمًا إلى أمن شامل ومستدام، وترفض التمييز والانتقائية.
لقد كانت كلمة معبرة ومميزة وبليغة، عبّرت بكل صدق وشجاعة عن كل أحرار العالم المؤيد للسلام الشامل والعادل، العالم الذي يحترم إنسانيته، ويرفض نظرية الغاب والهمجية، وكل الممارسات الوحشية التي يرتكبها كل الطغاة، وتدين كل أعمال التهجير القسري، والقتل الممنهج، والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، ويؤيدون العالم الممتلئ بأناشيد السلام.
وبات من الواضح، بعد كل تلك العقود من القتل والممارسات الصهيونية، أنها لن تتوقف سوى بحل الدولتين، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن الحل السياسي هو أسهل الطرق لإنهاء المنازعات، وكذلك احترام الشرعية الدولية، والقوانين الأممية، وقرارات مجلس الأمن.
وأن يتوقف الكيل بمكيالين، ولا يُستخدم الفيتو لقطع الرقاب والقتل والتستر على انتهاك سيادة الدول، فكل تلك التجاوزات تُخنق العدالة وتضعها في مأزق حقيقي، طالما هناك انتقائية. وعلى قادة العالم أن تقف أمام مسؤولياتها، وتستحضر ضمائرها، وتسمع أصوات شعوبها الحرة التي تُنادي بالسلام، فالسلام يصنع سلامًا وأمانًا للجميع.
يجب أن تُعاد إذاعة تلك الكلمة المهمة، ليعرف كل مصري وعربي أن موقف مصر ثابت وراسخ، وأن القضية قضيتها الرئيسية، لم ولن تتخاذل يومًا في دعمها، وأنها عبّرت بصدق عنا جميعًا، وجعلتنا نشعر بالفخر بقيادتنا السياسية، والدبلوماسية المصرية، وانحيازهم بجانب العدالة، ونؤكد ثقتنا في خطواتهم في حماية أمننا القومي.


