الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

السادات.. صانع السلام وقائد ثورة التصحيح

الجمعة 20/يونيو/2025 - 10:53 م

في عالم السياسة، تصنع الزعامات إما على أرض الواقع أو خلف الستار، وكان الرئيس الراحل محمد أنور السادات، نموذجًا فريدًا لرجل خرج من عباءة الظل ليصبح صانعًا للسلام، وزعيمًا تجاوز حدود مصر ليُحدث زلزالًا سياسيًا في الشرق الأوسط لا تزال توابعه تهز العالم حتى اليوم.

السادات، الذي اعتُبر لسنوات الرجل الثاني، لم يكن يملك في نظر الكثيرين مقومات القيادة التقليدية، بل رجل خافت الصوت، هادئ الحضور، بسيط المظهر، لكن تلك الصفات، كما يبدو، كانت مفاتيح اللعبة الكبرى.

الفراغ بعد عبد الناصر، كان بداية الصعود، ففي 28 سبتمبر 1970، لفظ جمال عبد الناصر أنفاسه الأخيرة، تاركًا وراءه دولة مترنحة بين الحلم القومي والانكسار بعد نكسة 1967، الشعب المصدوم، والجيش المهزوم، والنظام المتصلب، كلهم كانوا في حالة صدمة، والكل تساءل من بعد عبد الناصر؟

في ذلك الوقت، لم يكن أحد يرى في محمد أنور السادات، سوى حل مؤقت وشخصية توافقية، ضعيفة سياسيًا أمام الحيتان في النظام الناصري، مثل علي صبري وشعراوي جمعة، حتى قادة الاتحاد الاشتراكي قالوها علنا: إن السادات لن يصمد أكثر من أسابيع.

لكنّ السادات، الصامت في العلن، كان يُعيد ترتيب الأوراق في الخفاء، فبعد أشهر قليلة، فجّر السادات مفاجأة كبرى في 15 مايو 1971، في ما عُرف بـ"ثورة التصحيح"، إذ أطاح برموز الدولة العميقة الناصرية، من كبار الضباط والوزراء، ووقتها، قالت صحيفة أمريكية إن الرئيس المصري الجديد ليس بسيطا كما يبدو.

وبعد أن ثبت أقدامه في الداخل، بدأ الغرب ينظر إلى السادات بعيون استراتيجية، وتقول تقارير غير منشورة إن أستاذًا زائرًا في علم النفس السياسي بالجامعة الأمريكية يعتقد أنه كان يعمل بشكل غير معلن مع المخابرات الأمريكية، بدأ يتقرب من السادات، كانت العلاقة أعمق من مجرد استشارات أكاديمية، بل كانت خطة ممنهجة لتفكيك شخصية الزعيم التقليدي وصياغة شخصية جديدة.

وتم إقناع السادات بأن الكاريزما يمكن صناعتها وأن السلام سيجعل منه زعيما عالميا، وأن التحالف مع واشنطن أفضل من الاستنزاف مع موسكو، وأدرك السادات أن اللعب مع الكبار يتطلب خروجه من عباءة عبد الناصر بالكامل.

وفي 1973، قاد السادات واحدة من أهم المعارك العسكرية في تاريخ العرب، وأثبت أنه ليس مجرد ظل لرجل آخر، لكن، بعد أن حقق نصر العبور، بدأ يبحث عن نصر آخر في ميدان السياسة هذه المرة، فجاءت زيارته المفاجئة إلى القدس في 1977 كزلزال سياسي لم يكن أحد يتوقعه، السادات نفسه قال في مذكراته: كانت مخاطرة، لكنني رأيت أن من لا يخاطر لا يصنع التاريخ.

لكن تلك المخاطرة لم تكن من فراغ، وثائق غربية مسرّبة تتحدث عن تخطيط طويل المدى، وإقناع ناعم من أطراف أمريكية، بأن زيارة إسرائيل ستجعله أول زعيم عربي يدخل التاريخ كصانع للسلام.

وجاءت النهاية والإطاحة بحلم الزعامة على يد جماعة الإخوان، وبينما كان السادات يرسم صورته العالمية، فتح المجال السياسي أمام جماعة الإخوان بعد سنوات من القمع الناصري، ظنًا منه أنه قادر على احتوائهم، فسمح لهم بالعودة، والكتابة، والظهور، بل واستخدمهم لمواجهة التيارات اليسارية الناقدة، لكن ما لم يحسبه السادات هو أن الثعبان لا يروّض، وعندما أوقف التسهيلات وضيق عليهم الخناق مجددًا، تحولت الجماعة إلى العنف، وكانت النهاية مأساوية.

في 6 أكتوبر 1981، في عرض عسكري بمناسبة نصره الأعظم، سقط السادات برصاص من أخرجهم هو نفسه من الزنازين.

الزعيم الذي لم يحتمله عصره

السادات، الذي صنعته الظروف ودعمته أمريكا وأعاد تشكيل نفسه بنفسه، غيّر مجرى التاريخ، لكنه دفع الثمن بثقة مفرطة، بتحالفات متناقضة، وبزعامة لم تتحملها أرض الواقع، لقد صعد إلى القمة، ومشى على حافة الخطر، وسقط ضحية الزعامة التي حلم أن تكون خالدة.

تابع مواقعنا