السبت 06 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

في الشرق الأوسط.. كيف يُجنّب القرار السياسي الحكيم الدول ويلات الصراعات؟

القاهرة 24
الثلاثاء 24/يونيو/2025 - 08:07 م

بلغ التصعيد في الشرق الأوسط ذروته في الحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي استمرت 12 يومًا من الهجمات المتبادلة بين البلدين، والتي مثّلت المؤشرات الأهم على مدى تفاقم الوضع في المنطقة الآخذ في التفاقم منذ السابع من أكتوبر 2023، والحرب على قطاع غزة التي خلّفت معها آلاف القتلى والجرحى، إذ تسعى دول المنطقة إلى الحد من حالة التصعيد المستمر، والنأي بالنفس، وتجنيب جبهاتها الداخلية آثار هذا التصعيد.

الحرب التي أدت، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن أطرافها لم يدركوا أبعادها، وكادت أن تؤدي إلى تدمير الشرق الأوسط بالكامل، أظهرت أن دول المنطقة، بعيدًا عن الطرفين، تسعى إلى أن تتجنب الدخول في نوعٍ من أنواع الصراع وانعكاساته داخليًا، لا سيّما أن شعوبها تأخذ دومًا موقف المترقّب المنتظر لقرار سياسي حكيم يجنّبها الآثار التي تنجم عن الدخول في دوائر الصراعات الإقليمية.

فمع كل الأزمات التي ضربت الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، كانت شعوب المنطقة تتطلع دومًا إلى قيادتها، آملين في أن يكون "القرار السياسي" حكيمًا ويصب في صالحهم، بتجنب الدخول في صراعات أو صدامات لا طائل منها إلا إهدار الموارد والإمكانيات بدلًا من توظيفها في تنمية تلك البلدان وتعزيز رفاهية مواطنيها.

مصر، على سبيل المثال، فمن حدودها الجنوبية، وغربًا مع ليبيا، وفي الشرق مع غزة وإسرائيل، إلى أبعد النقاط عنها في الإقليم، نجحت مصر في تجنّب الدخول في دوائر الصراعات والأزمات التي سيطرت على الشرق الأوسط في العقد الأخير. حتى عندما بلغت ذروتها في الأشهر الأخيرة من عام 2023، في هذا التوقيت، لم تكن هناك قراءة تحليلية واحدة لخبير أو بحث تستبعد أن وقتًا سيأتي، ربما خلال عام أو عام ونصف، وستجد القاهرة نفسها في قلب كل تلك الصراعات والأزمات كأحد الأطراف الأصيلة.

كانت تلك القراءة واضحة على أساس أن كافة الأطراف في تلك الأزمات والصراعات توفّر ما يكفي من الذرائع والأسباب ليكون الباب مفتوحًا أمام صانع القرار المصري للدخول المباشر إليها والتورّط فيها، مع اعتبارات أخرى كثيرة، على رأسها أبعاد تلك الأزمات وتأثيراتها على الأمن القومي المصري – وهو البعد الذي دومًا ما حمل خصوصية شديدة في تفكير صانع القرار المصري.

لكن صانع القرار السياسي في مصر لم يتورّط، محافظًا على الخط السياسي المستقيم الذي تبنّته القاهرة منذ وصول الرئيس إلى أعلى السلطة في عام 2014، وهو تجنّب الدخول في "دوائر النار" التي دخل فيها الإقليم منذ سنوات، مدركًا أن تحديات أخرى في الداخل، وأعباء عقود مضت، يجب أن تكون لها الأولوية المطلقة دون سواها، فاختارت مصر أن يكون تحدّيها الوحيد هو التنمية وتعظيم الموارد.

سياسة يدركها المواطن

يدرك أستاذ العلوم السياسية، وأكبر أساتذة العلاقات الدولية، ما يدركه المواطن العادي، أن مصر وقيادتها السياسية، ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، قررت أن يكون دورها الإقليمي محصورًا في خفض التوترات، ودعم المؤسسات الوطنية، والعمل على الحد من الصراعات الإقليمية، وتجنيب المنطقة استمرار سنوات الصراعات المفتوحة والأزمات اللامنتهية.

ومع كل أزمة تتفاقم في الإقليم، وصولًا إلى حد الاشتباك المباشر، مهددةً بتصعيد حالة التوتر في الإقليم، يظهر المصريون إدراكهم التام لمردود تلك السياسة التي تبنّتها مصر، في أن تكون هي بمفردها "واحة الاستقرار في المنطقة" – وهو مصطلح يحرص الرئيس على التأكيد عليه بين فترة وأخرى.

يتابع المواطن المصري موقف بلاده، وهو على يقين مطلق بحكمة صناع القرار في اختيار الرؤية المناسبة للتعامل مع كل أزمة في الإقليم، وظهر هذا بوضوح بداية من الأزمة في السودان، وحتى السابع من أكتوبر والحرب الإسرائيلية على غزة، وكيف قادت مصر جهود المفاوضات والوساطة. ومع الأزمة الأخيرة والحرب الإسرائيلية - الإيرانية، أكدت القاهرة كيف كانت وحدها ثاقبة في رؤيتها لما يجب على الإقليم الحذر منه.

ومنذ دخول المنطقة في حالة التوتر الأخيرة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، كررت مصر، بلسان رئيسها، أن الحرب يجب أن تتوقف تمامًا، وأن يبدأ العالم في التحرك تجاه وضع حل واضح للأزمة الفلسطينية، على أسس لا خلاف عليها، ويعلمها الجميع. كانت أعين القاهرة قارئة للمستقبل، وأن حربًا إقليمية وصراعًا أكبر يلوح في الأفق، في حال لم يبدأ العالم في التحرك.

حكمة صانع القرار السياسي

قبل سنوات، تحدث أحد كبار المفكرين السياسيين عن الرئيس السيسي، عندما سُئل عن موقف مصر من كل تلك الأزمات والويلات التي تواجه المنطقة، والترجيحات بتدخل مصري محتمل في يومٍ من الأيام. لكن الرجل أشار إلى أن مصر فيها "صانع قرار حكيم هو الرئيس عبد الفتاح"، يمتلك خلاصة تجارب مصر السابقة، ولن يكن من السهل أن يضطره أحد للدخول في أي صراع.

يرسّخ الرئيس السيسي، في كل مرة يتحدث فيها عن الإقليم وحالة الصراع فيه، وكذلك تجارب مصر السابقة في الدخول المباشر في هذه الصراعات – حرب اليمن مثالًا – لدى المواطن المصري قناعة واحدة: هي إدراك الرئيس أن مصر لن تتورّط الآن أو في المستقبل في صراع، مهما توفرت لها الذرائع، أو توهّم آخرون أنهم قادرون على جرّها.

إدارة الضرورات القصوى

وفي الوقت نفسه، تعاملت مصر بحسم بالغ مع أي مساس مباشر بها، فلم تقبل أن يمر مخطط التهجير لملايين الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، أو أن تكون القاهرة جزءًا من أي مخطط يؤدي في النهاية إلى تصفية القضية الفلسطينية من أساسها، حتى وإن كان هذا التصور قد صاغته أكبر دولة في العالم، واعتبره رئيسها هدفًا شخصيًا.

دبلوماسية الحل

تبنّت مصر في الأعوام الماضية سياسة الدفع نحو الحلول السياسية، إن كانت الأزمة تتعلق بدولة واحدة. ففي ليبيا، ساندت مؤسسات الدولة الوطنية، وفي سوريا كذلك، وفي السودان. وكان انطلاقها في هذه الملفات واضحًا: أن الحل سياسي بحت بين الأطراف الداخلية، مع ضرورة تجنب أن تؤدي التدخلات الخارجية إلى تعقيد تلك الأزمات – وهو أمر أُخذ به مع تفاقم العديد من الأزمات.

وفي غزة، قادت مصر جهود المفاوضات منذ اليوم الأول للحرب، وأسفرت جهودها عن التوصل إلى هدنة أولى في الأشهر الأولى للحرب، ثم هدنة أخرى، مدفوعة بمساندة من الرئيس الأمريكي الجديد.

تابع مواقعنا