الأديب الكسول
بحب جدًا متابعة فقرة "حدث في مثل هذا اليوم" سواء اللي موجودة في مواقع إخبارية أو على موقع ويكبيديا.. أحيان كتير بتلاقي في ذكرى ميلاد أو وفاة رمز معين كان صاحب بصمة وتأثير ما في التخصص بتاعه فرصة إنك تترحم عليه لما تفتكره..
أصل هو الواحد فينا هيعوز إيه أكتر من كده!.. إن حد يفتكرك لما تموت بدعوة حلوة حتى وهو مش عارفك بشكل شخصي.. منكرش إن سبب عادتي في متابعة الفقرة دي عرفت معلومات تانية مهمة زي تواريخ أحداث أو "اليوم العالمي لكذا" غير الوفيات والميلاد.
في العموم هي واحدة من العادات اللي إكتسابها بيفرق بشكل إيجابي.. الأسبوع اللي فات وأثناء ما ببص على الفقرة فوجئت في يوم 22 يونيو إن ده ذكرى وفاة أديب مصري كان له شهرة عالمية رغم إن كتير في مصر مش عارفينه!.. الروائي والأديب المصري من أصل سوري "ألبير قصيري".
شدني الاسم فقررت أدور وراه عشان أعرف عنه أكتر.. عرفت إنه أديب متمكن من لغته لأبعد درجة وكان بيكتب باللغة الفرنسية بإتقان.. هاجر "ألبير" لفرنسا في الأربعينات وعاش هناك وبنى اسمه الأدبي.. لكن شهرته مش بس بسبب موهبته الأدبية.. لكن كمان بسبب كسله اللي وصل لدرجة إنهم أطلقوا عليه أشهر أديب كسول في العالم.
الغريب إن هو أصلًا بيحب الكسل جدًا لدرجة إنه قدم في روايته "شحاذون ومعتزون" شخصية البطل اللي كانت قريبة من شخصيته هو الحقيقية واتكلم فيها عن أستاذ التاريح اللي قدم استقالته إحتجاجًا على تفاهة وزيف المناهج، وقرر إنه يعيش كسول في غرفة مافيهاش عفش نهائي وكان بيكره النهار وبيعشق الليل!.
تستغرب كمان لما تعرف إن "ألبير" وهو بيوصف شخصية البطل ده كان كإنه بيتكلم عن نفسه هو لإنه برضه كان بينام طول النهار وبيسهر طول الليل.. من كتر كسله كان عنده ميعاد إستلام جايزة أدبية مهمة لكن هو اعتذر عن قبولها عشان ميعاد الحفلة كان الساعة 10 الصبح!.. وحتى على مستوى الحياة الشخصية "ألبير" كمان كان بيحب واحدة حب جنوني لكنه وبسبب كسله وتردده ضيعها من إيده لما حدد مع والدها ميعادين عشان ييجي ويتقدم وطنش الميعادين!.
المشكلة إن ده عمل له أزمة واكتئاب بسبب غياب حبيبته واختفاءها للأبد طب وهو كان مين السبب أصلًا يا عم "ألبير"!.. مش أنت!.. كمان المشكلة إنه ورغم موهبته العظيمة مكتبش غير 8 روايات بس في حياته!، وده برضه كان بسبب الكسل.. في حوار ليه مع مجلة Lire قبل كام سنة من وفاته سأله الصحفي عايز تموت إزاي.. رد "ألبير": (على فراشي في غرفة الفندق).. واللي اتمناه حصل بالظبط ومات فعلًا في غرفة في فندق لا لويزيان يوم 22 يونيو سنة 2008 وكان عمره وقتها 94 سنة!.. عشان تنتهي حياة واحد من أمهر الأدباء في الكتابة، ومن أكثرهم الناس كسلًا في العالم.
الكسل بيموتك قبل موتك الطبيعي 100 مرة.. الكسل ممكن يضيع موهبة زي الدهب ويغطيها للأبد، مع إن صاحبها ممكن بشوية اهتمام ومجهود في رعايتها والاهتمام بيها يتخلد إسمه في التاريخ.. الكسل في إتخاذ خطوة حاسمة في علاقة ما يعرف بيها الطرفين راسهم من رجليهم ممكن ينهي قصص حب محدش كان يتوقع انتهاءها.. الكسل في الدفاع عن الحقوق بيهدرها.
الكسل في المحافظة على الأصدقاء اللي مفيش زيهم هيخليهم يتبخروا من بين إيديك لإنك اعتقدت إنهم مضمونين وهيفضوا ييجوا على نفسهم زي كل مرة.. الداعية "مالكوم إكس" قال: (إن كنت ستتوقف عن شيء فتوقف عن الكسل، وتوقف عن اختلاق الأعذار، وتوقف عن انتظار الوقت المناسب).


