الإثنين 08 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

إلى شيخنا الجليل أحمد كريمة

الجمعة 27/يونيو/2025 - 09:57 م

أستاذنا الجليل صاحب الكلمة الهادئة والموقف الثابت، العالم الأزهري الوقور، وأحد رموز الاعتدال والوسطية في الأزهر الشريف، الدكتور أحمد كريمة، لقد تابعنا تصريحاتكم الأخيرة حول استخدام الذكاء الاصطناعي، ولا يسعني إلا أن أبدأ حديثي بإقرار عميق بمكانتكم في قلوبنا، نحن أبناء هذا الوطن ممن لمسنا صدقكم وألمكم حين بكيتُم على حال مصر في أوقاتٍ عصيبة وقت زمن الإخوان، وقد كنتم صوت ضمير الأمة في زمن كثرت فيه الأصوات وقلّ فيه الصدق.

ولأنني من أكثر المعجبين بكم وبمواقفكم، أرجو أن تسمحوا لي بكل أدب وتواضع، من مواطن يجلّ عالمًا طالما نطق بما يُرضي الله لا بما يُرضي الناس، أن أطرح وجهة نظر أخرى في مسألة الذكاء الاصطناعي قد تكون مكمّلة لرؤيتكم، لا مناقضة لها.

الذكاء الاصطناعي يا فضيلة الشيخ، ليس عدوًا للعلم ولا للإبداع، بل هو أداة عصرية جبّارة يمكن أن تساهم في تقدم البشرية وتيسير حياة الناس إذا ما وُضع في الإطار الصحيح. وكما أن كل أداة في الدنيا يمكن أن تُستخدم للخير أو للشر، فإن الذكاء الاصطناعي لا يخرج عن هذه القاعدة.

نعم، هناك من يُسيء استخدامه، وربما يعتمد عليه في الغش أو التربّح غير المشروع، ولكن أليس كذلك في كل الوسائل؟ أليست التكنولوجيا كلها عرضة للاستغلال الخاطئ؟ بل حتى بعض الأقلام قد تُباع، ولكننا لا نحكم على الكتابة كلها بالفشل بسبب قلةٍ أساءت.

الذكاء الاصطناعي في حقيقته يمكن أن يكون نعمة عظيمة، وخاصة في المجالات الخدمية والحكومية، فبفضله يمكن الرد على مئات أو آلاف الطلبات في دقائق معدودة، وتوفير وقت وجهد ومال كان يضيع سابقًا، كما يمكن توظيفه في تطوير البحث العلمي لا هدمه، إذا وُجّه بالشكل الصحيح وتحت إشراف علمي وأخلاقي.

يا شيخنا الجليل، نحن لا ندعو إلى التخلّي عن الضوابط، بل إلى اللحاق بركب الأمم التي جعلت من الذكاء الاصطناعي بوابة للنهضة، فها هي الصين تضخ المليارات، والإمارات تعيّن وزيرًا مختصًا، ومصر تبدأ خطوات جادة نحو دمجه في حياتنا اليومية، فهل نترك نحن هذه الأدوات لمن يُسيء استخدامها، أم نأخذ بزمامها ونُحسن التوجيه كما علمنا ديننا الحنيف؟ أليست هذه رحمة وتيسيرًا؟ أليس هذا من صميم ما يدعو إليه الإسلام: رفع المشقة عن الناس؟

رسالتنا هنا هي دعوة للتوازن؛ لا نرفض الجديد لمجرد أنه جديد، ولا نقبله دون ضوابط، بل نحتضنه بعقل المصري الواعي الذي يأخذ من كل شيء ما ينفعه، ويترك ما يضرّه.

أما بالنسبة لاستخدام (شات جي بي تي) أو غيره من أدوات الذكاء الاصطناعي في الأمور الدينية والفقهية والشرعية، فأنا لا أجرؤ على الفتوى، لأن الفتوى لها أهلها، ولا يوجد أقدر ولا أعلم من شيوخ الأزهر الأجلاء في هذا الشأن، لكن إن أمكن ربط الذكاء الاصطناعي بأمور إفتاء ثابتة ومعروفة بأدلتها من القرآن والسنة، فقد يكون ذلك مفيدًا، لا بديلًا عن المفتي، بل كأداة مساعدة لأهل العلم لتسريع الوصول إلى المعلومة أو مقارنة الآراء، ويبقى الرأي الأخير لأهل العلم وحدهم، فهم وحدهم من يملكون حق البيان والاجتهاد.

وختامًا، نسأل الله أن يبارك في علمكم وعافيتكم، وأن يرزقنا جميعًا الاعتدال في الفكر والمنهج، كما علّمنا الأزهر الشريف، تحت قيادة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، صاحب المواقف الوطنية والإنسانية المشرفة، الذي ظل صوتًا للعقل والرحمة في وقت عزّ فيه الاتزان.

تابع مواقعنا