جنوب سيناء شاهدة على أروع صور التسامح والتعايش بين الأديان
تُعرف محافظة جنوب سيناء بكونها أرضًا مقدسة احتضنت على مر العصور معالم تاريخية ودينية فريدة، شهدت على أروع صور التسامح والتعايش بين الأديان من بقايا الأديرة البيزنطية القديمة إلى مسارات الحج الإسلامي والمسيحي، تحكي كل زاوية في هذه البقعة قصة عميقة عن التناغم والقبول.
كنائس وأديرة سيناء إرث تاريخي يعود إلى فجر المسيحية
ويقول الدكتور إسلام نبيل عبد السميع رئيس مكتب الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي بوزارة السياحة والآثار بجنوب سيناء للقاهرة 24، أن جنوب سيناء تزهو بالعديد من المواقع الأثرية المسيحية التي تعود بجذورها إلى أوائل العهد المسيحي. في مدينة الطور، العاصمة الإدارية الحالية للمحافظة، نجد بقايا دير وادي الطور، بالإضافة إلى دير وكنيسة القديس سان جورج وبعض القلايا البيزنطية العتيقة، أما في وادي فيران فتنتشر كنوز أثرية فريدة من الكنائس والقلايا التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن الخامس الميلادي، فضلًا عن دير السبع بنات الشهير التابع لإدارة دير سانت كاترين، ولا ننسى وادي الدير الذي يضم أيقونة سيناء، دير سانت كاترين، وجبل موسى، ومواقع أديرة وقلايا أخرى تعود كذلك إلى فجر المسيحية.
وأكد الدكتور إسلام نبيل، أن هذه المواقع ليست مجرد حجارة قديمة، بل هي شواهد حية على تاريخ مسيحي عريق في هذه الأرض المباركة
التسامح الديني: سمة حضارية متجذرة
وأشار إلى جنوب سيناء كان لها دور محوري في تجسيد أسمى معاني التسامح الديني عبر قرون من الزمان.
تحول مسار الحج وتواصل التسامح
وأوضح أن حجاج بيت الله الحرام من المسلمين في مصر والدول المجاورة كانوا يستخدمون طريق الحج المصري القديم البري عبر وسط سيناء حتى عام 1885 تقريبًا. بعد ذلك، استُبدل الحج البري بالبحري، حيث كانت المراكب تنقل الحجاج من ميناء السويس إلى ميناء الطور، ومن هناك يعبرون خليج السويس وصولًا إلى الأراضي السعودية لاستكمال رحلتهم برًا إلى مكة المكرمة. وحتى اليوم، يقف المحجر الصحي بالطور شاهدًا على هذه الحقبة. تأسس هذا المبنى في القرن التاسع عشر للحد من انتشار الأوبئة بين العائدين من مكة المكرمة. تم إنشاؤه عام 1275هـ/1858م في عهد محمد سعيد باشا، واستكمل في عهد الخديوي محمد توفيق باشا، وتم تجهيزه بالكامل بالنظام الحديث والمعدات الصحية عام 1311هـ/1893م تحت إشراف الدكتور روفر.
طريق الحج المسيحي الأوروبي
وقال الدكتور إسلام نبيل إن سيناء كانت جزءًا من مسار الحج الأوروبي المسيحي القديم، وكان الحجاج الأوروبيون يصلون إلى ميناء الإسكندرية، ثم يتنقلون برًا داخل الأراضي المصرية وصولًا إلى ميناء السويس، ومنه تُنقلهم المراكب إلى ميناء الطور. ومن مفارق مدينة الطور، كانوا يعبرون الأودية ليشقوا طريقهم إلى وادي فيران الذي يبعد حوالي 50 كم ويحتوي على آثاره البيزنطية الفريدة، وبعد ذلك يتوجهون إلى دير سانت كاترين، ويبيتون في مدينة سانت كاترين التي تبعد حوالي 60 كم عن وادي فيران، لزيارة جبل موسى. وتُختتم هذه الرحلة غالبًا برحلة إلى مدينة القدس، التي تُعد المقصد الأسمى للحجاج المسيحيين في العالم.
تلاقي الحضارات على متن السفن
ولفت نبيل، إلى أنه في بعض الأحيان كان الحجاج المسلمون والمسيحيون يستخدمون نفس المراكب لنقلهم من ميناء السويس إلى ميناء الطور، أثناء توجههم إلى حجهم. ويشهد على ذلك جبل الناقوس في مدينة الطور، حيث عُثر عليه على نقوش تذكارية بلغات وتواريخ مختلفة تعود لحجاج مسلمين ومسيحيين.
وكشف نبيل أن التسامح الديني الفريد الذي تشهده أرض مصر وجنوب سيناء جعل من منطقة في مدينة الطور تُعرف باسم "الكيلاني"، وهي في الأصل "الچيلاني"، نسبة إلى حاج مغربي تُوفي أثناء ذهابه للحج ودُفن في مقام يحمل اسمه، ولا يزال باقيًا حتى الآن. وهناك أيضًا دلائل تشير إلى زيارة بعض الحجاج المسلمين لدير سانت كاترين، حيث دُوِّنت أسماؤهم على محراب الجامع الفاطمي الذي يحتضنه سور الدير. ولعل أبلغ دليل على هذا التسامح هو "العهدة المحمدية" ميثاق الأمان الذي منحه نبي الإسلام لرهبان دير سانت كاترين، ويحتفظ رهبان الدير بنسخة طبق الأصل منها في معرض الأيقونات والمقتنيات الخاصة بالدير. بينما نقل السلطان سليم الأول النسخة الأصلية منها إلى الأستانة في فترة حكمه تاركًا هذه النسخة للرهبان.
وهكذا كانت وما زالت مصر تقدم للعالم أروع آيات التسامح الديني والمواطنة الصادقة، وترسل رسائل سلام خالدة لكل دول العالم أن مصر بلد الامن والأمان والسلام.


