بداية التخلي عن الدولار.. قفزة في بيع الديون بالأسواق الناشئة تتحدى الاضطرابات العالمية
نقلت رويترز عن مصرفيين أن بيع الأسواق الناشئة لأدوات الدين ازدهر في النصف الأول من العام الجاري، متحديًا الاضطرابات العالمية الناتجة عن الرسوم الجمركية، والهجمات الصاروخية، وتذبذب أسعار النفط، ويتجه هذا النمو نحو تحقيق مستويات مرتفعة غير مسبوقة لعام آخر، وسط بوادر على التخلي التدريجي عن الدولار الأمريكي كعملة رئيسية للإصدارات.
ونجحت وزارة المالية المصرية في العودة للأسواق الدولية، واستئناف خطة الإصدارات الدولية من الصكوك السيادية منذ أسبوع، وطرحت الإصدار الثاني من الصكوك السيادية، المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية بقيمة مليار دولار في صورة طرح خاص خلال العام المالي 2024/2025؛ رغم التحديات الاقتصادية الراهنة المرتبطة بتصاعد وتيرة التوترات والنزاعات بالمنطقة وهو ما كان له تداعيات سلبية على كافة الأسواق وعلى زيادة درجة عدم اليقين والمخاطر، وذلك بسبب التحسن الكبير في الأوضاع الاقتصادية المصرية وتحسن معظم المؤشرات المالية والاقتصادية بشكل كبير وملحوظ.
مرونة الأسواق الناشئة رغم التحديات
لم تدفع الاضطرابات المستثمرين الأثرياء، الحريصين على تحقيق الربح وتنويع محافظهم الاستثمارية، إلا إلى إبطاء موجة الشراء قليلًا، حتى في يوم التحرير الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية واسعة أو خلال الهجمات الإسرائيلية على إيران، استمر الاهتمام.
وقد تستمر الإمدادات غير المسبوقة من السندات الجديدة مع انخفاض أسعار النفط، مما يدفع الدول المصدرة إلى مواصلة الاقتراض لتمويل الإنفاق.
وصرح ألكسي تافين دي تيلك، الرئيس العالمي لقسم دول الأسواق الناشئة ورئيس أسواق رأس المال المقترض في شرق ووسط أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى بنك بي.إن.بي باريبا، بأن ما يثير الدهشة هذا العام هو كيف أن الأسواق لا تزال نشطة، إن لم تكن نشطة بشدة، في أصعب لحظات يمر بها العالم، كانت أحجام الإصدارات مذهلة.
أرقام قياسية ونمو متوقع
وأفاد شتيفان فايلر، رئيس أسواق رأس مال المقترض في منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى جيه.بي مورجان، بأن بيع الدين في هذه المناطق جمع ما يتجاوز 190 مليار دولار في النصف الأول من العام، ويتجه لتجاوز الرقم القياسي المسجل العام الماضي البالغ 285 مليار دولار.
وتُعد هذه الزيادة علامة أخرى على اهتمام المستثمرين بأصول الأسواق الناشئة في عام اتسم بالاضطرابات التي عادة ما تدفع المستثمرين إلى الهروب إلى الملاذات الآمنة، وتوقع فايلر أنه إذا انخفضت أسعار النفط، فإن الإصدارات من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد ترتفع أكثر.
الخليج يتصدر الإصدارات وتنويع العملات
وقال مصرفيون إن منطقة الخليج بقيادة المملكة العربية السعودية، أصدرت ما يزيد قليلًا على 40% من ديون منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، واستفادت الشركات والدول من تراجع أسعار الفائدة ومن توقع بقاء عوائد سندات الخزانة الأمريكية مرتفعة لبعض الوقت.
وأكد خالد درويش، رئيس أسواق رأس المال المقترض في منطقة وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في بنك إتش.إس.بي.سي، أن النصف الأول من العام شهد بالتأكيد إصدارًا قياسيًا بالنسبة للشرق الأوسط، إذ جمع المصدرون في المنطقة 106 مليارات دولار منذ بداية العام من صفقات السندات والصكوك، مقارنة مع 139 مليار دولار في 2024 بأكمله.
وأضاف أن تأثير جميع التطورات الجيوسياسية التي حدثت هذا العام كان ضئيلًا للغاية على سوق دول مجلس التعاون الخليجي.
عوامل داعمة واتجاهات جديدة
ودعمت الاضطرابات الجيوسياسية أيضًا الطلب على بعض الإصدارات، حيث أصبح المستثمرون أكثر حماسًا لشركات الدفاع في ظل زيادة الإنفاق العسكري.
وأكد تافين دي تيلك أن الاستثمار في أدوات الدخل الثابت يحظى بالمزيد من الحماية في مواجهة الاضطرابات الجيوسياسية مقارنة بأسواق الأسهم، وأوضح فايلر أن المستثمرين الذين ينوعون محافظ استثماراتهم حريصون على عروض ديون الأسواق الناشئة ذات الهوامش الأكبر.
وذكر فريق تمويل الديون في سيتي أن أحجام إصدارات الأسواق الناشئة العالمية ارتفعت 20% على أساس سنوي في النصف الأول من 2025، مع نمو سريع لإصدارات الأسهم من الشركات.
وانضمت جهات إصدار جديدة إلى الساحة مثل شركة التعدين العربية السعودية معادن العملاقة بإصدار صكوك بقيمة 1.25 مليار دولار، وشركة أزول إنرجي الأنجولية التي طرحت سندات بقيمة 1.2 مليار دولار.
التوجه بعيدًا عن الدولار والآجال الطويلة
وأشار فيكتور مراد، الرئيس المشارك لتمويل الديون لمناطق وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى سيتي، إلى أن القائمة المتزايدة من جهات الإصدار الجديدة أتاحت للمستثمرين تنويع استثماراتهم.
كما أشار درويش وفايلر إلى أن هناك المزيد من الحكومات والشركات التي تتجه إلى عملات أخرى، على رأسها اليورو، لتنويع استثماراتها بعيدًا عن الدولار.
وأصدرت السعودية سندات باليورو هذا العام، وكذلك فعلت الشارقة في الإمارات، ويجري استكشاف فرص في عملات أخرى بدءًا من الين الياباني ووصولًا إلى سندات باندا الصادرة في السوق المحلية الصينية باليوان، وباعت أوروجواي أول سنداتها السيادية بالفرنك السويسري.
وقال فايلر: هناك بالتأكيد توجه لدى جهات الإصدار العالمية لاستكشاف المزيد من بدائل التمويل غير الدولاري إذ يسعى المقترضون إلى تقليل اعتمادهم على التمويل المقوم بالدولار، مضيفًا: أعتقد أنها بداية اتجاه واضح.
ومن الاتجاهات الملحوظة الأخرى هو الابتعاد عن الإصدارات لأجل 30 عامًا، حيث نُفذت عمليتان فقط بهذا الأجل من مناطق وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في النصف الأول من العام، وصارت منحنيات العائد أكثر حدة عالميًا، مما جعل الإصدارات طويلة الأجل أكثر تكلفة.
وأضاف مراد: جرى استبدال السندات طويلة الأجل بزيادة في أحجام إصدارات الثلاث سنوات، إذ ركزت جهات الإصدار على الآجال القصيرة.


