الأحد 07 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

المفسدون في الأرض

الجمعة 04/يوليو/2025 - 11:28 ص

نحن اليوم أصبحنا في مرحلة اجتماعية تتكاثر فيها الأزمات والسلوكيات، وتتوسع فيها فجوات القيم في المجتمع، حيث نتعايش مع نمط بشري أكثر خطرًا من كل الكوارث الطبيعية، وأشد فتكًا بالمجتمع من التقلبات الاقتصادية.

هم ضعاف النفوس الذين لا يمتلكون من المقومات ولا من الكفاءة ما يستحقون عليه الاحترام، لكنهم بكل أسف تجدهم دائمًا يعتلون المشهد ويتصدرون بعضًا من مصادر القرار.

حينما تقرر أن تعيش حياتك مسالمًا، لا تطلب من الدنيا أكثر من حقك المشروع في السعي والكفاح، ولا تنظر إلى الآخرين بعين الريبة، ولا تنافسهم في مساحات ليست لك، إلا أنك تتفاجأ بأن أحدهم قد رسم عنك ظنونًا من نسيج نفسه، فتراه يتخيل فيك ما يحمله بداخله من نوايا، ويحسبك على خلق لم تأته يومًا، يظنون أن الناس جميعًا على شاكلتهم.

الأسوأ من ذلك أن المجتمع في كثير من الأحيان يسمح لهؤلاء بأن يرتقوا في المناصب والمكانة، لا لفضلٍ فيهم، بل لأنهم عرفوا من أين تؤكل الكتف، تسللوا من ثغرات القوانين، وركبوا موجات المصالح، وقدموا الولاءات على الكفاءات، والغايات على المبادئ، ولا عجب فالرأسمالية هي التي أصبحت تتسيد زمام الأمور، التي حولت الأخلاق إلى سلعة تباع وتشترى، والصدق إلى معركة، والكرامة إلى عبء فوق قدرة البشر.


كنت أود أن أذكر بعضًا من النماذج، لكني أوقن أن كل واحد منا  "بنسب متفاوتة" مر بهؤلاء، واصطدم بأشكالهم المختلفة، كمدير لا يحترم سوى المنافقين، ومسؤول يصعد على أكتاف المجتهدين، وزميل يقصيك لأنه يرى في اجتهادك تهديدًا لموقعه، كلهم يا سيدي أبناء مدرسة واحدة، يتنوعون في الوجوه لكن يجمعهم طبع واحد.


ولأن الحياة لا تمهلنا رفاهية الاختيار في كل حين، فإننا في مرات كثيرة نقع أسرى لهؤلاء دون رغبة أو إرادة، لا لأننا ضعفاء؛ بل لأننا نحاول النجاة بطموحاتنا في بيئة غير مثالية، نلتمس الصبر المُر، ونسير في طريق مرير لا يقارن بما مرت به الأجيال السابقة.

كنا في الماضي نعرف النجاح بالتميز والتميز بالنجاح، أما اليوم، النجاح والصعود لا يعنيان بالضرورة تميزًا، بقدر ما يعنيان القدرة على المناورة، والمداهنة.

أصبحت الريبة تملأ قلبي، ليس فقط على تلك الحالة التي يعد "كاتب تلك الكلمات" إحدى ضحاياها لمرات ومرات، راغمًا غير راغب، إنما حين أنظر إلى ولدي صاحب العامين، وأنا أحلم له بتربية سليمة، وسلوك قويم، كيف له أن يواجه كل هذا وأصعب من هذا؟، كيف يحفظ قلبه وسط هذا اللهيب الذي يشتد وثاقه يومًا عن يوم؟.

لكن رغم كل شيء، أعود لأحدث نفسي بأن الأمل لا يجب أن ينطفئ، فكما أن في المجتمع من يفسدون قواعده، ففيه أيضًا من يتمسكون بالحق رغم الأذى، ومن يزرعون القيم دون مقابل، وأن هؤلاء هم الأمل الحقيقي، وهم من يجب أن نكرث حولهم الطاقات ونمنحهم الفرص، لأنهم القادرون وحدهم على أن يصنعوا لأبنائنا بيئة صحية تمنحهم ولو شيئًا من العدل الذي نفتقده نحن.

تابع مواقعنا