حُمّى الترشّح وطبق الكشري
في مشهدٍ أقرب إلى العبث السياسي منه إلى التنافس الانتخابي، تلوح أمامنا اللافتات الانتخابية وكأنها دعوة لحضور مولد شعبي أو مهرجان للكشري، لا معركة تشريعية على مقاعد مجلس الشيوخ.
حالة هستيريا انتخابية عمّت الأرجاء، مرشحون مجهولو الهوية، وشعارات مطّاطة، ووعود لا يعرفها لا الدستور ولا الواقع، وأسماء لا تمتّ بصلة لا للتشريع ولا للفكر ولا حتى للقراءة.
من هو عضو مجلس الشيوخ الحقيقي؟ سؤال يطرح نفسه: هل هو من حصل على دبلوم التجارة في الثمانينيات وقرر فجأة أن لديه الآن "رؤية وطنية" نادرة؟ هل هو من يقيس وطنيته بعدد اليفط والبوستات، لا بعدد المواد الدستورية التي قرأها أو فهمها؟ هل باتت الكفاءة تُقاس بعدد الصور المنشورة على فيسبوك، أم بعدد الموائد العامرة بـ"الكوارع" و"الفتة" خلال موسم الترشّح؟
نسي البعض أو تناسوا أن مجلس الشيوخ ليس ديوان خدمات، ولا صندوق تكافل، ولا وسيلة للوجاهة الاجتماعية، بل هو غرفة تشريعية عليا تُراجع القوانين وتُحاكم النصوص وتناقش ما يمسّ الأمن القومي في القضايا الدولية على الساحة.
لكن حمّى الترشح لا ترحم، فقد تحوّل الترشح إلى سباقٍ نحو الظهور، وفرصة للابتزاز السياسي أو الاستعراض العائلي. بعض الأحزاب – ويا للعجب – باعت الوهم لمرشحيها، فصار الطريق إلى الشيوخ مفروشًا بالقبائل والمجاملات والمال السياسي، وليس بالكفاءة أو الفكر أو التشريع، والنتيجة: ضبابية في الاختيار وعدم حيادية في التمثيل.
مرشحون بتعليم متوسط أو فوق متوسط يتحدثون عن اللجان النوعية وكأنهم في سوق الجمعة، يناقشون قضايا لا يعرفونها، ويطالبون بملفات لا يدركون معناها، وكأنهم ضيوف في برنامج إذاعي لا برلمانيين.
أيها السادة، مجلس الشيوخ لا يُورّث، ولا يُشترى، ولا يُزيَّف، إنه منصب لا يليق إلا بمن قرأ وفهم وأدرك، نحتاج نائبًا مثقفًا لا مُصفّقًا، أكاديميًا لا قبليًا، صاحب فكر لا صاحب عزومة، فاقد الشيء لا يُعطيه، ومن لم يقرأ الدستور لا يجوز أن يُشارك في صياغته، ولمن يظن أن الأموال والولائم والرشاوى المقنّعة ستصنع نائبًا، نقول له: قد يُخدع الشعب قليلًا، لكنه لا يُخدع إلى الأبد.
وختامًا، نضحك ساخرين ونقول: في زمن الترشح الجماعي، أصبح مجلس الشيوخ مثل طبق الكشري… الكل يضع عليه ما يشاء، لكنه في النهاية يُهضم بصعوبة.


