وزارة الأوقاف 70 مليون جنيه قرض حسن.. وتريليون جنيه استثمار غير حسن
في الوقت الذي تُعاني فيه الدولة من فجوات تمويلية، تقترض لسد العجز، وتُرفع أسعار الخدمات، تقف وزارة الأوقاف على ثروة تقترب من تريليون جنيه، وتكتفي بفتات العوائد، وتتفاخر بمنح “قرض حسن” بضع آلاف الجنيهات، وكأنها فتحت قناة جديدة.
تُعلن الوزارة بكل فخر عن قرض حسن لموظفيها وأئمتها يصل إلى 70 مليون جنيه.. ولكن قبل أن تنطلق تصوراتنا إلى غير الحقيقة، يجب أن نعلم أولًا أن عدد العاملين بوزارة الأوقاف يُقدَّر بـ 300 ألف عامل وإمام وموظف.. في حين يبلغ متوسط القرض حوالي 20 ألف جنيه.. نعم، 20 ألف جنيه فقط، بما يعني استفادة حوالي 3500 شخص فقط من هذا المبلغ الهزيل، وبما يزيد قليلًا عن 1٪ من عدد عمال الوزارة.
بينما على الجانب الآخر، نرى هناك جزيرة منعزلة لا يجرؤ على الاقتراب منها أحد، تُسمى (أصول الأوقاف).
وفقًا للمتداول، تدير هيئة الأوقاف ما يلي:-
• 500 ألف فدان أراضٍ، منها ما هو زراعي، ومنها أراضٍ على النيل، وفي أطراف القاهرة.
• قرابة 200 ألف أصل عقاري (مبانٍ، وحدات، أراضٍ فضاء) في مواقع استثمارية بامتياز.
• أصول تاريخية داخل مصر وخارجها، تعود لعهود المماليك والعثمانيين، بعضها في أوروبا واليونان.
• حصصًا في شركات ومصانع وبنوك.
(ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة)
في 2019، أعلنت الأوقاف رسميًا عن الانتهاء من توثيق وتسجيل ممتلكاتها في أطلس مكوَّن من 92 مجلدًا.
القيمة التقديرية (الرسمية) لهذه الأصول تتجاوز تريليون جنيه مصري، بينما قدَّرها آخرون بقيم تتجاوز ٣ تريليونات جنيه.
لكن، رغم هذه الثروة العقارية والزراعية، العائد السنوي لا يتجاوز:
• 3 مليارات جنيه في أحسن الأحوال.
• أي بنسبة 0.3% فقط من القيمة الرسمية للأصول.
وزارة الأوقاف، تلك المؤسسة التي تحمل بين يديها كنزًا عظيمًا، تُصرّ على التعامل معه كأنه صدقة جارية من فاعل خير… لا كرافعة اقتصادية وطنية.
وزارة تملك ما لا تملكه وزارات الاستثمار والتخطيط والمالية مجتمعة…
ثم تُعلن بكل فخر أنها ستوزع ٧٠ مليون جنيه “قرض حسن” لموظفيها.
حضرات السادة المسؤولين،
الوقف في الإسلام ليس فكرة عابرة، ولا صدقة سريعة. الوقف قديمًا بُنيت به مدارس، وأُنفق منه على علماء، وعولج به مرضى، وكان ميزانية دولة داخل الدولة.
أما الآن… فتحوَّل الوقف إلى ماكينة تُوزّع مساعدات… وتنام.
والسؤال البسيط:
لو كان لديك مشروع تجاري قيمته السوقية مليار جنيه، ويُدر 3 ملايين فقط…
هل كنت ستُبقي على إدارته؟ أم تستدعي المحاسبة؟
وزارة الأوقاف لا يُنتظر منها فقط أن تعظ وتصرف، بل أن تُحسن إدارة ما وُكِّل إليها.
لكن الواقع يشي بالعكس:
• تُترك الأراضي بورًا لسنوات.
• تُؤجَّر أصول الوقف بأسعار متدنية لا تُواكب السوق.
• تُغلق الشراكة مع القطاع الخاص بحجة الحفاظ على الوقف، وكأن بقاءه دون استغلال هو الحفظ!
• تُدار ملفات الاسترداد بالتراخي، ومئات القضايا متوقفة منذ عشرات السنين.
وزارة الأوقاف يمكنها، بل يجب عليها، أن تتحول من مؤسسة مالكة للعقارات إلى مؤسسة مالكة لعوائد الاستثمار الوطني.
وزارة الأوقاف يجب أن تنتقل من مرحلة “الصدقة المؤقتة” إلى مرحلة الإدارة الرأسمالية الذكية.
أفكار الاستثمار والتطوير لا تنتهي، ولطالما طرحها خبراء
(توريق عوائد - طرح صكوك - شراكات مع القطاع الخاص … إلخ)،
واستغلال العوائد في استثمارات تُحوِّل الوقف إلى مشاريع إنتاجية وخدمية مستدامة
(وقف طبي - وقف زراعي ذكي - وقف تعليمي وتقني - وقف سكني واستثماري - وقف ذكاء اصطناعي - صندوق سيادي وقفي).
لو أدت هيئة الأوقاف الدور المنوط بها بكفاءة، لكانت حملت عن الدولة عبئًا مجتمعيًا عظيمًا.. وخدمت الفرد والمجتمع والدولة.. ولتحققت رسالة صاحب الوقف بصورتها المرجوة.
كانت سعادتي ستكون بالغة لو أعلنت وزارة الأوقاف عن نجاحها في تحقيق عوائد من ما قيمته ٧٠ مليون جنيه، ولو بمعدل ١٠٪ سنويًا.. بدلًا من تفاخرها بقرض يقارب ثمن ثلاجة متوسطة لحوالي ١٪ من موظفيها.






