الثقافة لا تعني الغربة عن المجتمعات
الفن هو مرآة المجتمع ولذلك، بالرجوع لأفلام الأربعينيات على سبيل المثال وليس الحصر ستجد أن الفيلم يعكس صورة المجتمع آنذاك التي عاشها صُناعه من مؤلفين ومخرجين وممثلين إلخ؛ وهنا تكًمُن المشكلة حيث أن المجتمعات هي من تصنع النجاح للعمل والشعبية للبطلة أو البطل في أبهى صورة من صور الديمقراطية التي عرفتها الإنسانيّة، إنه الاقتراع الأمثل والاستفتاء الأعظم حيث يدفع المواطن من جيبه ليصنع نجمه المفضل وفقًا لما يقدمه من فن يلمس قلبه ويحرك وجدانه.
مقدمة ضرورية كان عليَّ كتابتها قبل الدخول في صُلب موضوع المقال الذي يدور حول علاقة الثقافة بالجماهير الغفيرة التي هي الأساس في النجاح والانتشار؛ بمعنى أنه ليس من المنطق أبدًا أن تكون ساحات الشواطئ والحدائق والمسارح الخاصة تعج بالجماهير الغفيرة وتحقق الإيرادات وتصبح مسارح وقاعات وزارة الثقافة خالية لإصرار البعض على تقديم ما هو غريب على تغيرات قد طرأت على المجتمع المصري شئنا أم أبينا!!.
معادلة صعبة أن تقدم ذوق رفيع المستوى وتستطيع من خلاله جذب الجمهور في ذات الوقت؛ لذلك أرى أن مواكبة العصر والحالة المزاجية للشباب لكونهم يمثلون 70% من رواد المحافل سواء كانت مسرح أو سينما أو حفلات غنائية واستعراضية أمر ضروري للغاية بمعنى أنك تستطيع جذبهم بما يحبوه من وجبات فنية وتقدم لهم لون رفيع المستوى كما هو الحال بكافة حفلات البيت الفني للفنون الشعبية مؤخرا؛ فتصور أن يكون هناك حفلا لموشحات فؤاد عبد المجيد ويكون قائد الأوركسترا سليم سحاب وفرقة رضا هي بطلة الحدث بدون وجود نجمين من الشباب مثل مصطفى شوقي ولؤي اللذان غنا الموشحات وتراث رضا، نعم كانت ستنجح وسيأتي لها جمهور سحاب ورضا وعبد المجيد ولكن إضافة مصطفي ولؤي جذبت نوع آخر من الجمهور الذي حضر وصفق وتفاعل مع ما يقدم على الخشبة من قيم فنية رائعة باختصار لأن لؤي وشوقي كانا الضمان لهذه الفئة التي لم تفكر يوما أن تقطع تذكرة لمثل هذه الفعاليات وانتصرنا للقيمة الفنية والثقافية للوجبة الفنية التراثية الضخمة التي قُدمت، الأمر نفسه مع جمهور المطرب عمر كمال الذي سيحل نجمًا لحفل ٢٤ يوليو بمسرح محمد عبد الوهاب بالإسكندرية حيث سيكون الفصل الأول فقرة استعراضية لتراث الفرقة القومية للفنون الشعبية ويكون كمال نجم الفصل الثاني؛ وبالتالي سيتيح لنا عمر كمال (عضو نقابة المهن الموسيقية وغير المصنف مطرب مهرجانات بل مطرب شعبي له صوت جميل وموهوب بشهادة الجميع)، سيتيح لنا فرصة عرض مجهود القومية على جمهوره العريض ونصبح بذلك قد حققنا المرجو قيمة ثقافية فنية وإيراد كبير وفرحة لمصيفي الإسكندرية المتعطشين إلى نزهة ليلية جميلة.
أكتب هذا لأنني فوجئت ببعض المنظرين يتساءلون كيف يقيم البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية حفلا بالإسكندرية يضم فرقة القومية للفنون الشعبية يفصلها الأول والمطرب عمر كمال بفضلها الثاني!! متناسيا أن دور القطاع إقامة الحفلات الشعبية والفولكلورية وتقديم تراث تلك الفرق العريقة وأن إضافة فقرة لمطرب شعبي بحجم عمر كمال أو شيبا أو عدوية أو النجم حكيم أو رحمة إلخ، يضفي جماهيرية كبيرة على الحفل ويعود بالإيراد الكبير ويرفه عن الجماهير المتعطشة للترفيه وحضور ليالي فنية ويعطي فرصة مشاهدة عريضة لفرقنا التراثية التي هو ليس من جمهورها.
أخيرًا الفن الشعبي ونجومه سيقيمون الحفلات بنا أو من غيرنا وسينجحون بنا أو من غيرنا والمعيار الحقيقي جودة الفن الذي يقدمه وصوت المطرب وعضويته النقابيّة وشعبيته الجارفة فهو ليس مطرب مهرجانات أو رد سجون فلا تزايدون.


