نتائج على الأرض.. لا شعارات جوفاء
لم يعد هناك متسع للأوهام أو الكلام المعسول الذي يستهلك العواطف دون أن يضيف شيئًا إلى الواقع.
التغيرات الهائلة التي شهدتها الشخصية المصرية في السنوات الأخيرة، مع اقتحامنا لعصر التكنولوجيا والفضاء المفتوح، قلبت كل الموازين وأسقطت الشعارات الرنانة التي كان يتم ترديدها لعقود.
اليوم، لم يعد الناس ينخدعون بالكلام الكبير، فالنتائج على الأرض هي الفيصل الوحيد للحكم على أي تجربة أو إنجاز ولابد من إدراك ذلك جيدا.
وهنا يطرأ سؤالا هاما يطرح نفسه بقوة:
أين نتاج مئات، بل آلاف، رسائل الماجستير والدكتوراه التي نسمع عن حصول أصحابها عليها كل يوم؟.
أين انعكاسها على واقعنا؟.
وأين هي من معالجة مشاكلنا المزمنة بعلم ورؤية حقيقية في كافة المجالات، وعلى رأسها المتغيرات الاجتماعية الهائلة وما تطلبه المرحلة؟.
للأسف، أغلب هذه الرسائل لا تتجاوز كونها أحبارًا على ورق.
لا فائدة منها ولا مضمون حقيقي يمكن البناء عليه أو الاستفادة منه، وما يشهده الواقع يؤكد ذلك فهو ليس ادعاء بل حقيقة وإن كانت صادمة أو مؤلمة.
وذلك لأن الغاية الكبرى لصاحب الرسالة أصبحت تنحصر في وضع حرف "د." قبل اسمه ليتباهى به في كل مناسبة ويناديه به الناس، بينما كان الأجدر والمفترض أن يقابل كل حرف من هذه الأحرف رسالة علمية متميزة تترك أثرًا وتضيف إلى الحياة العلمية والاجتماعية.
الأمر لم يعد مجرد أزمة علم، بل أزمة عقلية ترى في الشهادة لقبًا اجتماعيًا لا وسيلة لتطوير المجتمع.
ولهذا لا عجب أن تتكدس الرسائل العلمية على الأرفف، بينما الواقع يزداد تعقيدًا ومشكلاته تتكاثر بلا حلول.
المطلوب الآن وبشكل عاجل ثورة على الشهادات الورقية وإنهاء فكرة أنها هي نهاية الطريق وتفهم أنها مجرد بداية له ليس إلا.
إن الوقت قد حان لثورة حقيقية في الفكر والبحث العلمي تقودها الدولة لما لها من هيمنة وإمكانيات.
ثورة تقتلع من جذورها ثقافة الشهادات الفارغة، وتزرع مكانها منهجًا قائمًا على الإبداع وحل المشكلات، والاستعانة بما يتم تقديمه وأخذه في عين الاعتبار من قبل الحكومات والبناء عليه بحسب الظروف والإمكانيات والرؤية السياسية بالطبع، فجميعها حلقات متصلة تتكون منها أوجه المجتمعات وتكون سببا في نهضتها وتقدمها.
وهنا أقول لكل دارس ليس المهم أن يسبق اسمك حرف "د."، بل الأهم أن يسبق عملك أثرٌ يظل حيًا بعدك.
لم يعد مقبولًا أن يظل الواقع معلقًا بين شعارات جوفاء وأحلام مؤجلة.
فالتاريخ لا يذكر الألقاب، بل يذكر من صنعوا فارقًا حقيقيًا، والفرصة ما زالت قائمة أمام كل من يريد أن يكون جزءًا من هذا الفارق.
الأمم لا تُبنى بالشعارات أو الألقاب، بل بما يثمر ويبقى أثره.


