خُذ من خيره وادِّ غيره
منذ أيام قليلة، دار بيني وبين أحد أصدقائي المقربين حوارا طويلا، تناولنا فيه موضوع الرشوة الانتخابية وما تحمله من تهديد صريح لنزاهة العملية الديمقراطية، خصوصًا ونحن على أعتاب انتخابات مجلس الشيوخ.
كان صديقي متحمسًا لطرح فكرة جديدة لمواجهة هذه الظاهرة، فكرة خارجة عن المألوف، بعيدة عن الأساليب التقليدية التي غالبًا ما تكون مثالية في ظاهرها فقط.
قال لي بحماس: ما رأيك أن نطلق حملة بعنوان خُذ من خيره وادِّ غيره؟ الفكرة ببساطة هي أن نحث الناس على قبول المال من المرشح الراشي، لكن دون أن يصوتوا له، بل يمنحوا أصواتهم لمن يستحق، بهذه الطريقة، نُفقد الراشي الثقة في فاعلية شراء الأصوات، ونربك حساباته.
رغم أن الطرح شدّني، ووجدت فيه لمسة من الذكاء العملي، إلا أنني لم أستطع تجاوز الخطر الأخلاقي الذي يحمله، فقلت له: أُقدّر نيتك، وأعرف أنك تسعى لحماية الناس من الاستغلال، لكن دعوتك هذه قد تكون سلاحًا ذا حدين، صحيح أنها تبدو كوسيلة لمواجهة الفساد، لكنها أيضًا قد تُفهم بأنها تبرر الرشوة وتضفي عليها طابعًا من الشرعية.
تابعت حديثي قائلًا: عندما نطلب من الناس أخذ المال ثم التصويت لمن يرونه الأفضل، فإننا بذلك -دون أن نشعر- نُسهم في تطبيع الرشوة، ونجعلها سلوكًا مقبولًا طالما أن النتيجة النهائية تخدم الصالح العام. وهذا منزلق خطير.
أجابني صديقي مدافعًا: أليس من حقنا أن نواجه الحيلة بالحيلة؟ إن كان البعض يشتري أصوات الفقراء بالمال، فلماذا لا نرد عليه بأسلوب ذكي؟
قلت له: الفرق كبير بين الذكاء والخداع، لا يمكننا أن نحارب الفساد بتقليد أدواته. الوعي لا يُبنى بالمراوغة، بل بالتثقيف والمصارحة. نحن لا نحتاج إلى حيل تُربك الراشي، بل إلى قيم تُحصّن المجتمع.
أضفت: الناس اليوم باتوا أكثر وعيًا مما نتصور، الجميع يعرف أن المرشح الذي يشتري صوته لن يعمل لاحقًا لصالحه، بل سيحرص على استرجاع ما أنفقه، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة الشعب، لذلك، التوعية والرهان على وعي المواطن هو الخيار الأجدى.
وفي النهاية، أؤمن أن أي مجتمع يسعى للنهوض لا يمكن أن يقوم على أساليب المراوغة، مهما كانت نياتها حسنة، بل يجب أن يُبنى على الصدق والوضوح، لأنهما أساس الثقة والنهضة الحقيقية.


