الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

من يملك حياتك الرقمية في زمن الذكاء الاصطناعي

السبت 12/يوليو/2025 - 02:10 م

في عصر باتت فيه التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية، أصبح الذكاء الاصطناعي أشبه بعينٍ خفية ترصد تحركاتنا، تجمع معلوماتنا، وتعيد تشكيل سلوكنا من دون أن نشعر. ليس الأمر خيالًا علميًا أو مبالغة صحفية؛ بل واقع تدعمه الأرقام والدراسات الحديثة التي تكشف إلى أي مدى صار الذكاء الاصطناعي حاضرًا في كل زاوية من زوايا حياتنا الرقمية.

لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرًا على مختبرات الأبحاث أو روبوتات الخيال العلمي، بل أصبح موجودًا في أبسط أدواتنا اليومية. الهاتف الذكي الذي نحمله في جيوبنا، الساعة التي نرتديها، السماعة التي نضعها في آذاننا، حتى فرشاة الأسنان أصبحت “ذكية” وتُسجّل عاداتنا الصحية وتربطها بتطبيقاتٍ صحية تُحلّل بياناتنا. وفقًا لتقرير نشرته منصة Statista، فإن أكثر من 6.6 مليار هاتف ذكي مستخدم حاليًا حول العالم، وغالبية هذه الأجهزة تحتوي على مساعدات ذكية تستقبل الأوامر وتستمع طوال الوقت، مما يجعل البيانات تتدفق بشكلٍ غير مرئي إلى خوادم الشركات الكبرى.

ورغم أن المستخدم العادي لا يرى هذه الآليات، إلا أن كل تفاعل رقمي نقوم به يُسجل كنقطة بيانات: إعجاب، تعليق، مشاركة، بحث صوتي، فيديو تمت مشاهدته، أو حتى لحظة التوقف على صورة دون تفاعل. وكل هذه البيانات تُحوّل إلى وقود يغذي نماذج الذكاء الاصطناعي، بهدف واحد: تحسين دقة النظام في التنبؤ بما نريده، وما سنفعله لاحقًا، وحتى كيف نشعر.

تؤكد تقارير أن ما يقرب من 70% من التطبيقات المجانية تقوم بجمع وبيع بيانات المستخدمين لشركات إعلانية أو تحليلاتية. هذه البيانات تُستخدم لبناء “بروفايلات رقمية” دقيقة، يتم من خلالها استهداف المستخدمين بإعلانات مصممة بدقة مذهلة. ومنصات مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك باتت تعتمد بشكل كامل على الذكاء الاصطناعي التنبؤي لتحديد نوعية المحتوى والإعلانات التي تظهر للمستخدم، مما زاد من معدلات التفاعل والأرباح بنسبة كبيرة، حيث تجاوزت الاستثمارات العالمية في الإعلانات الموجّهة 400 مليار دولار في عام 2024.

الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل ChatGPT وGemini يمثل نموذجًا جديدًا من هذه التقنيات. هذه الأنظمة تعتمد على مدخلات المستخدمين بشكل مباشر لتطوير قدراتها وتوليد إجابات أكثر دقة. وبينما تُطمئن الشركات المستخدمين بأن هذه البيانات لا تُربط بهوياتهم، إلا أن الشكوك تظل قائمة، خاصة في ظل غياب الشفافية الكافية. دراسة أجرتها جامعة Stanford أظهرت أن 10% من تطبيقات الذكاء الاصطناعي لا تملك سياسة خصوصية واضحة، ما يثير مخاوف كبيرة حول احتمالية استرجاع أو تسريب بيانات حساسة.

وسط هذا المشهد المعقّد، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكننا حماية خصوصيتنا؟ الحقيقة أن المستخدم ليس بلا حول، لكنه بحاجة إلى وعي رقمي عالٍ. فهم سياسات الخصوصية، تفعيل إعدادات منع التتبع، التقليل من ربط الحسابات، والانسحاب من عمليات استخدام البيانات في التدريب، كلّها خطوات يمكن أن تُقلل من حجم البيانات التي يتم جمعها عنك.

الذكاء الاصطناعي ليس بالضرورة عدوًا. إنه أداةٌ قوية تملك القدرة على تحسين حياتنا، وتقديم حلول غير مسبوقة في التعليم، والصحة، والخدمات اليومية. لكنه في ذات الوقت قد يُصبح تهديدًا خطيرًا إذا تُرك دون رقابة، ودون قوانين صارمة تُنظم استخدامه وتحمي المستخدمين من استغلال بياناتهم.

في النهاية، يمكن القول إننا نعيش في زمن لم تعد فيه الخصوصية أمرًا افتراضيًا، بل مسؤولية شخصية. ومن لا يملك وعيًا رقميًا، يصبح عرضة لمراقبة مستمرة قد لا يُدرك حجمها إلا بعد فوات الأوان. وبينما يواصل الذكاء الاصطناعي التغلغل في كل زاوية من حياتنا، يبقى السؤال مفتوحًا: من يراقب من؟ وهل لا يزال هناك ما يُسمى “الحياة الخاصة” في زمن البيانات؟؟

تابع مواقعنا