الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

مجلس عمّ أيوب

هبة حسب
مقالات
هبة حسب
الثلاثاء 15/يوليو/2025 - 12:40 م

1
صدر قرار بإنشاء "المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب" بموجب القانون رقم ٤ للعام ١٩٥٦على أن يكون المجلس هيئة مستقلة مُلحقة بمجلس الوزراء، ثم تغيّر اسمه في العام ١٩٨٠ إلى "المجلس الأعلى للثقافة" على أن يرأسه وزير الثقافة. وعلى هذا "أصدر" الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتجديد عضوية وتعيين عدد من الشخصيات البارزة لعضوية المجلس الأعلى للثقافة.. ورحّب الدكتور أحمد هنّو وزير الثقافة بالأعضاء الجدد ووجّه الشُّكر لرئيس مجلس الوزراء وهذا بنصّ البيان الذي نشرته الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة المصريّة.

2
منذ أكثر من ١٥ عامًا التحقتُ بالعمل بوزارة الثقافة المصرية وتحديدًا في الهيئة العامة لقصور الثقافة بعقد عمل مؤقت يُرجى تحويله إلى عقد دائم بعد أعوام قليلة. كنت في بدايات حياتي العملية وأحبُّ الكتابة وأتطلّعُ إلى خدمة المجال الثقافي وإثراء الحياة الأدبية وما إلى ذلك من أحلام، وظننتُ خطأ أن وزارة الثقافة هي البوابة الرسميّة لتحقيق الحُلم.
جاء تعييني في "قصر ثقافة الغوري" الذي عرفتُ أن مقرّه تحت الصيانة، وكان هذا المقرّ هو المبنى المقابل لجامع الغوري والذي أصبح فيما بعد ملكًا لصندوق التنمية الثقافية، وبالتالي ينزل موظفو قصر الغوري كضيوف أعزاء على زملائهم في قصر السينما الذي كان يرأسه حين ذاك الأستاذ تامر عبد المنعم، تمامًا مثلما كنا نضم الفصول على بعضها في أواخر السنة الدراسية وطبعًا أصحاب الأرض يحصلون على الامتيازات العليا.
وذهبت لاستلام عملي في يومي الأول لأجد مكاني موجودًا تحت شمسية بحر كبيرة مفرودة فوق سطح قصر السينما. نعم! لم توجد غرفة فارغة بقصر السينما بحيث يمكن أن "يتّاوى" فيها موظفو قصر الغوري فسكنوا بَهْوَ السطح تحت لهيب الشمس صيفًا وبرودة الأمطار شتاء ولا تظلهم غير شمسية.
لم أستسلم. انتظرتُ مع زملائي الأقدم منّي والذين بدأ حديث العمل ينسحب تدريجيًا من طاولة مناقشاتهم اليومية ليحلّ محله طرق تتبيل الكفتة والهامبرجر وطريقة تنظيف السجاد وخلافات فلان مع زوجته وفلانة مع زوجها. وحين سألتُ عن أسباب غياب بعض الزملاء كل يوم عرفتُ أنه بسبب سوء الأحوال الجوية فوق السطح سواء في الصيف أو الشتاء يتم جدولة الموظفين بتقسيم داخلي يلتزم فيه الموظف بيومين فقط في الحضور من أيام الأسبوع كنوع من تخفيف الأحمال ما دمنا جميعًا نجلس بلا عمل، ثم تمّ إدراجي بالجدول على اعتبار أن هذا كله وضع مؤقّت سينتهي ما أن نتسلّم قصرنا العزيز في الغورية. وجاء اليوم المنشود؛ أول يوم للقبض.
بالطبع لم تكن هناك خزينة لصرف المرتبات ولم يكن حينها موظفو الحكومة يتسلّمون رواتبهم ب الكروت البنكية، فقالت لي زميلتي سآخذك معي هذه المرّة لأعرفك الطريق إلى المحاسب لاستلام الراتب وبعد ذلك تذهبين وقتما يناسبك. في البداية تخيلت أن ذهابنا إلى الغورية يعني أن زميلنا المسؤول عن القبض يوجد داخل القصر الخاضع للترميم، لكن زميلتي توقّفت أمام "عربة" تقف في شارع الغورية لبيع الأكواب والكؤوس الزجاجية وبعض المستلزمات المنزلية وكان زميلي المحاسب هو صاحب العربة!
كان مرتبي وقتها ٣٠٠ جنيه تسلّمتها منه في صمت ثم تمشّيت في شارع الغورية الذي أحبّه وأحفظه جيدًا وصرفت نصف مرتبي بين محلاته العتيقة وعدتُ إلى بيتي بعدة أكياس ونصف مرتب وصدمة، ثم أصبح يوم القبض هو يوم نزهة الغورية والمشتريات..

3
كان يمكنني وكثيرون غيري أن نتقبّل ببساطة أن يتم توصيف المجلس الأعلى للثقافة بأنه مجلس "شرفي" أو "تكريمي" لهذه الأسماء من أكابر المجال الثقافي "سنًا ومُنجزًا" والتأكيد على أنه مجلس غير فاعل في الشأن الثقافي العام. لكن هذه الاختيارات مع كامل الاحترام لها هو تكريم شخصي ليس فقط على حساب طاقات شابّة متصلة بالواقع الثقافي على الأرض وتدرك احتياجاته، بل أيضًا على حساب المصلحة العامة للمنتمين للمجال الثقافي وكذلك الفئة المستهدفة بالنهضة الثقافية من شباب وأطفال وخلافه.
4
لن أترك الأمر معلقًا دون أن أوضّح كيف تقتل وزارة الثقافة المصرية طموح الشباب الحالمين المهتمين بالتغيير ثم تتذرع بعدم وجود كوادر شابّة وتسند الأمر لذوي الخبرات طويلة العُمر والأمد. 
فبعد عدة محاولات فرديّة قمتُ بها لوضع الخطط والاستراتيجيات وتصوّرات لفعاليات ثقافية في النطاق الجغرافي للقصر الذي أعمل به، وبعد عدة اتصالات بالمدارس لعمل ندوات للأطفال والمراهقين حسب أعمارهم واهتماماتهم، وبعد محاولاتي للاطلاع على الأوراق القديمة للقصر والوصول إلى نماذج سابقة لأعماله، قوبلت كل الخطط بالتأجيل والتسويف والإجهاض؛ فقدّمت استقالتي - بعد عامٍ واحد من انضمامي لجلسة الشمسية فوق السطح- إلى رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الذي استدعاني إلى مكتبه بمبنى الهيئة في شارع القصر العيني ليسألني عن سبب الاستقالة فجاوبته بكل ما اعتقدته وقتها من الصدق واليأس: لأنها يا أستاذي فلوس حرام أتقاضاها وأنا حقيقة لا أعملُ بها.

تابع مواقعنا