وسط الزحمة لكن لوحدي
فيه لحظة غريبة أوي، مش شرط تكون فيها لوحدك فعليًا بالعكس، أوقات بتكون وسط ناس كتير، في قعدة مليانة ضحك وكلام ومزيكا، بس جواك فيه حاجة مش راكبة، بتكون جسمك موجود، بتشارك، بتضحك، لكن روحك واقفة على جنب، بتتفرج عليك وأنت بتمثل إنك بخير، اللحظة دي هي أكتر لحظة بتكون خانقة لروحك، لأنك بتكون مش لوحدك، بس حاسس إنك مالكش مكان، مش حقيقي وسط القعدة دي، مش متشاف، كأنك شفاف… كأنك عازم ناس على أكل ومحدش واخد باله إنك جعان.
الإحساس ده بيجي فجأة من غير مقدّمات، يمكن بعد كلمة حد قالها وحسيت إنها مش ليك، أو بعد ما حكيت حكاية محدش رد عليها، أو لما طلبت ود وملقتش، فجأة بتتسحب من اللحظة، وتلاقي نفسك بتسأل السؤال اللي بيكسر: "هو أنا ليّا حد هنا؟"، "أنا معروف؟"، "حد شايفني ولا أنا زيادة عدد؟"، الغريب، في اللحظة دي بيعدي في دماغك كل الناس اللي بتحبك، وبتسأل نفسك: "طيب ليه مش حاسس بده؟"، والإجابة المؤلمة؟ لأنهم مش هنا دلوقتي، ومكانك فاضي وسط اللي أنت ببنهم.
فيه فرق كبير بين إنك تكون مشغول، وإنك تكون وحيد… فرق أكبر بين إنك تبقى وسط ناس، وتحس إن مفيش حد معاك بجد، فيه ناس حواليك بتضحك بصوت عالي، بس عمرهم ما سمعوا صوتك الحقيقي، اللي مش بيطلع في الكلام، بيطلع في السكون، في الطريقة اللي بتشرب بيها الشاي، في نظرتك لما بتسكت فجأة وأنت بتفكر في حاجة محدش يعرفها، فيه ناس تعرف اسمك وتاريخ ميلادك، بس ما يعرفوش تاريخ أول مرة بكيت فيها من غير سبب.
اللحظة دي، اللي بتحس فيها إنك لوحدك وسط الزحمة، مش لازم تكون النهاية، بس لازم تكون إشارة، مش معناها إنك تكره الناس، ولا تقفل على نفسك، لكن معناها إنك لازم تبص جوّه دايرتك، وتسأل نفسك: "أنا ليه حاسس كده؟"، "هل أنا فعلًا لوحدي، ولا أنا حواليا ناس غلط؟"، "هل أنا فعلًا بعيد، ولا محدش بيحاول يقرب؟"، وهل لو حكيت، حد هيسمع بجد؟ ولا هيسيبني أحكي علشان يرد على مكالمة أو يضحك على نكتة لسه هيسمعها بعدي وبيعمل كده معايا كتقضية واجب؟.
في اللحظة دي، أنت محتاج تكون أنت كافي لنفسك، تطبطب على نفسك، تقول لنفسك "أنا شايفك"، "أنا سامعك"، "أنا هنا ومش هسيبك"، لأنك مش دايمًا هتلاقي اللي يسمعك، بس لازم تتعلم تسمع نفسك، مش دايمًا هتلاقي اللي يحتويك، بس لازم تتعلم تحتوي قلبك، مش دايمًا هتلاقي اللي يطبطب، بس لازم تكون أنت الطبطبة.
وعلى قد ما اللحظة دي بتوجع، على قد ما هي بتكشف، بتكشف لك مين اللي فعلًا موجود، ومين بس بيشاركك الصورة، بتكشف لك إنك محتاج تبطل تمثل إنك تمام علشان الناس ترتاح، بتكشف لك إنك مش لازم تكون كويس طول الوقت، وإنه مافيش عيب في إنك تتكلم، أو حتى تعيط في وسط الكلام، لأن اللي بيحبك مش هيخاف من دموعك، ومش هيمشي لو لقاك ساكت فجأة.
فلو حسيت في لحظة إنك لوحدك وسط الزحمة… خليك واقف، ما تجرِيش علشان تلحقهم، ولا تحاول تزود صوتك علشان يسمعوك، اسمع نفسك، واسند على قلبك، وصدق إن اللحظة دي، رغم قسوتها، ممكن تكون أول خطوة في طريق جديد… طريق فيه ناس أقل، بس حقيقيين، وفيه صوتك، مش بيضيع، بيتسمع.


