إجازة مرضي
بدون شك كتير من الرسايل اللي بتوصلني على الإنبوكس سواء على فيسبوك أو إكس أو إنستجرام أو حتى على الواتساب بتكون مصدر للبهجة والأمل والسعادة.
قصص الناس فيها خير مالوش نهاية حتى لو كانت تفاصيل القصص دي فيها منحنيات حزينة أو أمور تدعو للزعل لكن إجمالًا وبالنظر للخلاصة النهائية من القصص بتشوف حكمة ربنا وعدله ورحمته جوا التفاصيل، وبتشوفهم كمان في تصرفات بعض الناس اللي بيخلوك واثق إن الدنيا لسه حلوة وفيها خير..
من الرسايل اللي جت خلال الأسبوع اللي فات على الإنبوكس رسالة من "هبة" الشابة المصرية اللي عندها 24 سنة واللي بتشتغل عاملة في واحد من المصانع.. "هبة" عايشة هي ووالدتها وأخوها الصغير بعد ما والدها اللي يرحمه اتوفى في حادثة عربية من 8 سنين.
من لحظتها والأم قايمة بدور الأب والأم سوا مع بعض.. بس الحقيقة إن "هبة" كمان قررت تسد مع والدتها وتشتغل هي كمان عشان يقدروا يعافروا مع الدنيا ومصاريفها وصعوباتها.. لكن للأسف أصيبت الوالدة بمرض صعب أقعدها عن الحركة وتطلب إن يكون فيه رعاية مباشرة معاها طول اليوم.
طبعًا ده كان خيار صعب خصوصًا إن شغل "هبة" مدته 10 ساعات في اليوم ده غير إن الأخ الصغير من ذوي الهمم فهو كمان محتاج رعاية خاصة!.. ولإننا عايشين في زمن صعب تلاقي فيه دعم من معظم الناس اللي من دمك فكانت فكرة اللجوء للقرايب فكرة خايبة اكتشفت "هبة" عدم جدواها لما ميلت على خالتها ومرات عمها وعمتها ولقت إن الإستجابة صفر!.
الكل اعتذر بشياكة والحجة إن كل واحد فيه اللي مكفيه.. المشكلة إن "هبة" بالفعل كانت بتستخدم رصيد أجازاتها الطبيعية عشان تقعد مع والدتها ولما الرصيد ده خلص كانت بتروح الشغل تقعد فيه 4 ساعات تعمل فيهم شغلها على أكمل ما يكون وترجع بدري وتستخدم رصيد الأذونات في موضوع الإنصراف بدري ده.. لكن للأسف حتى رصيد الأذونات خلص!.. لجأت للمدير وحكت له الوضع قال لها الأمر بسيط جدًا.. سيبي الشغل!.
رد فيه من الحيوانية أكتر ما فيه من الإنسانية والرحمة.. حت لما استعانت بنواب المدير كان ردهم فيه من الإنهزامية وقلة الحيلة ما يكفي عشان البنت تحس إن الدنيا قفلت في وشها وتبقى قدام خيارين أصعب من بعض.. يا تسيب الشغل اللي بياكلوا من وراه عيش وبعد سنين من الخبرة صعب يتعوض في مكان تاني، يا تسيب أمها المريضة معظم ساعات اليوم هي وأخوها لوحدهم!.
بتقول "هبة" إن وهي قاعدة بتدعي بتقول يارب بعد صلاة العشاء وحرفيًا مش عارفة هيحصل إيه بكره لقت باب البيت بيخبط!.. في القرية اللي هي منها إن حد يخبط على حد قُرب الساعة 10 بالليل كان شيء غريب!.
قامت وقالت بصوت قلقان من ورا الباب: مين!.. جالها الرد بسرعة من "رشا" زميلتها في المصنع: أنا "رشا" يا "هبة" افتحي ماتخافيش.. فتحت "هبة" عشان تلاقي قدامها "رشا" ومعاها 9 بنات تانيين من زمايلهم في المصنع وطبعًا اتخضت إيه اللي جاب دول كلهم دلوقتي هنا وفي الساعة دي!.. استضافتهم بكل ترحاب وهي مكسوفة بس ده مامنعش إن السؤال كان واضح في عينيها: (هو فيه إيه!).
"رشا" عشان تنهي توتر صديقتها قالتلها بسرعة وهي مبتسمة: (بصي يا ستي عشان نلحق نروح بيوتنا عشان الوقت.. إحنا عددنا كام عاملة في المصنع؟.. بالظبط بالظبط 154 بدونك وبيكي بنكون 155 عاملة.. طيب إحنا كتبنا طلب رسمي ومضيناه كلنا إن كل واحدة من الـ 154 عاملة متنازلة ليكي بيومين كاملين من رصيد أجازاتنا يعني إجمالي 308 يوم أجازة كلهم بقوا بتوعك!.
في الأول لما البنت "عبير" فكرت في الفكرة قولنا إيه العبط ده بس لما سألنا أستاذ "جمال" في شئون العاملين قال هي ماحصلتش قبل كده بس لو اتقدم طلب رسمي ووقعنا عليه كلنا احتمال كبير يتقبل وأهو الحمد لله اتقبل!، وغير كده كمان إحنا هنشيل الشغل بتاعك بعد ما وزعناه علينا يعن تقعدي في بيتك معززة مكرمة تراعي والدتك وأخوكي لحد ما ربنا يحلها من عنده).
"هبة" ماكانتش لاقية رد ترد بيه وماحستش بنفسها غير وهي بتعيط وبتقوم تحضن وتبوس كل زمايلاتها.. موقف نبيل لو بيوضح فهو بيوضح شهامة وجدعنة وأصل شوية بنات يتساهلوا تُقلهم دهب بمجرد ما حسوا إنهم يقدروا يقدموا حاجة لزميلتهم عملوا كده فورًا بدون تردد ولا أنانية وبسبب تماسكهم وجدعنتهم وتصميمهم إنهم يقفوا جنبها كل الظروف المعاكسة خضعت ليهم.
ربنا قال في سورة "الطلاق" في الآيتين٣،٢: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب﴾.. في عزّ اللحظة اللي بتحس فيها إن كل الأبواب مقفولة، وإن كل الحلول انتهت، وإن الخلاص بعيد، وإنك لوحدك، بيظهر فجأة الحل من أوسع باب مش لإنك خططتله، لكن لإن ربنا كان بيخططلك.
الحقيقة إنك في كل مرة بتفتكر إنك لوحدك ربنا بيبعت لك علامة تقول لك لأ.. أنت مش لوحدك، وفيه ناس لسه بتحس، ولسه بتحب، ولسه بتعمل خير بدون مقابل.. الدنيا فيها خير مش لإنها دايمًا حلوة، لكن لإن ربنا بيزرع في وسط تعبها ناس شبه البلسم.. ناس حضورهم يطمن، وتصرفاتهم تخلّي قلبك يتهز، ويقينك في اللطيف يزيد.. سيب دايمًا باب الأمل مفتوح.. لو اتقيت ربنا كسبت رضا ربنا، ولو كسبت رضا ربنا أراد ليك كل الخير، ولو ربنا أراد هيسخّرلك ناس، وحلول، وتوفيق من حيث لا تدري، وفي وقت يمكن كنت فاكره آخر الوقت.



