تجارة الرقيق في العالم الافتراضي
في زمنٍ تتغنّى فيه البشرية بحقوق المرأة، وتزهو فيه المنصات الدولية بقوانين المساواة ومواثيق الحريات، تنكشف أمام أعيننا حقيقةٌ مروّعة.
المرأة تُباع وتُشترى من جديد، ولكن هذه المرة لا في أسواق العبيد القديمة، بل في أسواق إلكترونية ترتدي قناع الحداثة وتُدار عبر شاشات الهواتف النقالة وأجهزة الحاسوب.
نعيش اليوم في عالمٍ افتراضي لا يعترف بالقيم بقدر ما يعترف بعدد المتابعين والإعجابات، في هذا العالم، أصبح الجسد هو رأس المال، وأصبحت المرأة في كثير من الحالات، تعرض نفسها طواعيةً طمعًا في شهرةٍ وثراءٍ سريع، أو تحت ضغط الحاجة، في مقابل الأرباح.
تطبيقات مثل "تيك توك" وغيره فتحت أبوابًا واسعة لتجارةٍ من نوعٍ خاص، تجارة لا تحتاج إلى سماسرة، بل إلى كاميرا وإنترنت ورغبة في جذب الانتباه بأي ثمن.
تظهر الفتاة أو المرأة في بثٍّ مباشر، تبتسم وتتمايل وتتجاوب مع طلبات الجمهور، بينما تنهال عليها "الهدايا الرقمية" و"الإعجابات المدفوعة"، وتُقدّر قيمتها بما تحققه من مشاهداتٍ وأرباح.
الغريب أن كل هذا يتم تسويقه تحت لافتة "الحرية"، حرية الجسد، حرية التعبير، حرية الكسب، لكن أيّ حريةٍ تلك التي تحوّل الإنسان إلى بضاعة؟، وأيّ كرامة تُمنَح لامرأةٍ تبيع نفسها تحت أيّ ظرفٍ مهما كان؟.
لم تعد هذه الممارسات استثناءً، بل تحوّلت إلى ظاهرةٍ تتمدّد بشكلٍ مقلق، تضرب جذور القيم، وتهدّد الأجيال القادمة، فلم تعد العبودية تُفرض بالسلاسل، بل تُغلّف بالمكافآت الرقمية، وتتجمّل بشعاراتٍ مزيفةٍ خادعة.
المرأة التي أوهموها بنيل الكرامة والمكانة بعدما أقنعوها أنها مُهانة، رغم زيف ذلك، سارت خلفهم كالعمياء، فوجدت نفسها، في كثير من الأحيان، في سوقٍ مفتوحٍ يُغرَّر بها ويُستغلّ أسوأ استغلال أينما وُجدت.
فأيّ مأساةٍ تلك التي تخلقها الحداثة حين تتحوّل الحرية إلى هلاكٍ محقّق، والطموح إلى وسيلة استغلال كبرى، ومدخل لكل امرأةٍ تظنّ بأنها سوف تأخذ ما تريد ثم تخرج سالمة، وهو ما لا يحدث أبدًا، حتى وإن كانت التنازلات محدودة، فهي تظلّ أثمانًا مدفوعة من كرامتها.
نحن بحاجةٍ إلى وقفةٍ صادقة، لا نهاجم فيها الضحية، بل ننصحها ونعيدها إلى فطرتها السوية، ولا نبرّئ فيها ذلك السوق الإلكتروني لتجارة الرقيق، بل نعيد النظر في الثقافة السائدة، في مناهج التربية، وفي دور المؤسسات.
لا يمكن المطالبة بحظر التكنولوجيا التي لها عظيم الأثر في حياتنا عندما نُحسن استغلالها، بل لتحصين الإنسان أمام سطوتها.
وأخيرًا، أقول: إنّ العالم الذي يعجز عن حماية المرأة من أن تتحوّل إلى سلعة، لا يملك الحق في الحديث عن حقوقها.


