الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

فاطمة الزهراء.. الود والحنان بين النبوة والبنوة

الجمعة 18/يوليو/2025 - 06:50 م

في لحظة من لحظات التاريخ الإنساني، تقف ابنة بين يدي أبيها خلال مرضه، تبكي لعلمها بقرب فراقه، ثم تضحك لعلمها أنها لاحقة به.. ليست هذه الابنة ككل البنات، ولا هذا الأب كأي أب، إنها فاطمة الزهراء بنت محمد ﷺ، آخر من بقي من ذريته، وهو النبي المرسل، الذي ما عرف الحنان على وجهه مظهرًا كما عرفه معها، ولا عرف القلب البشري في النبوة دفئًا كما عرفه في تلك العلاقة.

يقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد في وصف هذا المشهد الفريد: "تلك فاطمة بقية الباقيات من الأبناء والبنات، يختصها النبي بمناجاته في غشية وفاته: يا فاطمة إني مفارق الدنيا؛ فتبكي، إنك لاحقة بي؛ فتضحك.. في هذا الضحك وفي ذلك البكاء على برزخ الفراق بين الدنيا والآخرة أخلص الود والحنان بين الآباء والأبناء.. سرها بنبوته، وسرها بأبوته، فضحكت ساعة الفراق لأنها ساعة الوعد باللقاء".

في هذا النص القصير، يرسم العقاد لوحة إنسانية وعاطفية وروحية في آنٍ معًا، فهو لا يكتفي بنقل لحظة من التاريخ، بل يقرأها كما يقرأ الشاعر المشهد، ويرتقي بها كما يرتقي الفيلسوف في التأمل.

كانت فاطمة الزهراء بالنسبة لرسول الله ﷺ أكثر من مجرد ابنة، كانت أنسه في الحياة، وموضع سره، ورفيقة ألمه ورسالته، منذ أن فقد أمها خديجة، وواجه صنوف الحصار والتكذيب، كانت فاطمة لصيقة به، تشاركه الحزن وتواسيه في الشدائد.

وحين يختارها في سكرات الموت ليبثها همّه الأخير، فإنما يبوح لها بوجدان الأبوة ونور النبوة في آنٍ معًا. هي تبكي، لأن اللحظة لحظة فقد؛ لكنها تضحك، لأن وعد اللقاء يقين راسخ في قلب المؤمن.

بين البكاء والضحك.. برزخ الود الخالص

هذا المشهد ليس فيه من التناقض شيء، بل فيه من صفاء الإيمان وصدق العاطفة ما يندر أن يُجمع في لحظة واحدة، فالبكاء على فراق الحبيب طبيعة بشرية، والضحك في انتظار اللقاء استجابة روحية، وهما حين يجتمعان يصفوان عن علاقة لا تشوبها مصلحة ولا يكدرها وهم، بل علاقة جمعت بين النبوة والإنسانية في أسمى صورها.

لم تكن مناجاة النبي ﷺ لفاطمة مجرد إخبار، بل كانت وصية وعزاء، وحديث وداع فيه من الحنان ما لا يُوصف، وفي تجاوب فاطمة بالبكاء أولًا، ثم بالابتسام، تجلٍّ واضح لوعيها بمقام أبيها، وثقتها بوعده، ويقينها بأن الموت ليس فناءً، بل عبورٌ إلى لقاءٍ أبدي.

في علاقة النبي ﷺ بفاطمة، كما يصفها العقاد، نلمح تجليًا نادرًا للحب الإنساني حين يتعانق مع نور الرسالة، ونرى كيف يمكن للأبوة أن تكون موئل الطمأنينة في لحظة رحيل، وكيف تكون البنوة وفاءً لا تهزه لوعة الفقد، لأنها موقنة بوعد الوصال في دار البقاء.

هكذا، ضحكت فاطمة ساعة الفراق لأنها ساعة الوعد باللقاء، وهذا هو السر الذي لا يعرفه إلا من ذاق طعم الحب الصادق، وأدرك أن الرحيل لا يقطع أواصر الود حين يُعقد بين قلبين على هدى اليقين.

تابع مواقعنا