الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

مصر التي نراها.. ومصر التي لا يريدون أن نراها

السبت 19/يوليو/2025 - 03:13 م

“مصر ليست دولة تاريخية… بل هي التاريخ ذاته”.

هكذا كتب جمال حمدان، وهو يرسم لمصر صورة تتجاوز الجغرافيا، وتتجاوز اللحظة. كان يدرك أن هذا البلد ليس مجرد مساحة على خريطة، بل كيان متفرد، سرٌّ مكتوم في قلب الزمان، كلما حاول البعض دفنه… عاد وظهر.

 

وفي هذا الزمان بالذات، تعود مصر مرة أخرى. تنهض من تحت الركام، وتكسر القيد، وتعلن وجودها بصوت المشروعات الكبرى، وبأنفاس العمال في المواقع، وبنبض طفل يولد في قرية تحولت من الإهمال إلى الحياة.

كل من يزور مصر اليوم يندهش. هذا ليس انبهارًا ساذجًا، بل هو دهشة من حجم ما تغيّر في سنوات قليلة. الأعين ترى ما لم تكن تتوقعه، والأقدام تسير فوق طرق لم تكن موجودة، والمستثمرون يبحثون في الخريطة عن أماكن لم تكن تُذكر إلا في كتب الجغرافيا القديمة. من العاصمة الإدارية الجديدة، إلى العلمين الجديدة، إلى مدن سيناء والواحات والمنيا وأسوان… مصر تبني نفسها.

لكن… ليس كل ما نفعله يُقابل بالتصفيق. هناك من لا يريد لمصر أن تتغير، لأنهم اعتادوا رؤيتها وهي تُصارع من أجل البقاء. هناك من استثمر في ضعفها، ونما على هامش مشاكلها، وكان ينتفع من شللها المزمن.

وهنا يجب أن نتوقف.

هناك قوى، داخلية وخارجية، لا يناسبها شكل مصر الجديد. لا يعجبهم أن تكون الدولة صاحبة قرار، أو صاحبة مشروع، أو حتى صاحبة رؤية. هم يريدون مصر القديمة… تلك التي تُدار بالمسكنات، وتُحكم بالحسابات الضيقة، وتتحرك بأوامر الخارج لا بنداء الداخل.

“شخصية مصر”، كما وصفها حمدان، ليست فقط عبقرية المكان، ولكنها أيضًا عبقرية التحدي. بلد ينهض دائمًا من الرماد، ولا ينسى ذاته، ولا يذوب في غيره.

وفي اللحظة التي نبني فيها، بنُهاجَم. في اللحظة اللي بنُخرج فيها آلاف الشقق لأهالينا في الريف والعشوائيات، بيطلّ علينا من يشكك في كل شيء، ويقلل من كل إنجاز.

في اللحظة اللي بنوصّل فيها الكهرباء والمياه والطرق لمناطق كانت محرومة لعقود، يخرج صوت مظلم يصرخ: “وهل هذا هو الإنجاز؟”.

نعم، هذا هو الإنجاز. أن تكون الدولة حاضرة، أن يتحول الإهمال إلى حياة، أن نعيد صياغة الجغرافيا بسواعد المصريين. أن لا يكون عندنا مركز واحد، بل مراكز متعددة. أن لا ننتظر المانحين، بل نخلق الفرص.

وهذا ما لا يُغفر لنا.

“مصر هي أقدم دولة في العالم لا تزال تحتفظ بوحدتها الجغرافية والسياسية”.

قالها جمال حمدان ليؤكد أن هذا البلد لا يعرف التقسيم، ولا يقبل الانكسار. وقد جربنا ذلك مرارًا، وخرجنا أشد وأقوى.

مصر اليوم في معركة بناء… لا تقل خطورة عن معارك البقاء.

معركة ضد الزمن، وضد الديون المتراكمة، وضد الفقر، وضد مؤسسات وجماعات وتنظيمات تحترف التشكيك والهدم والإرباك.

معركة لا يخوضها الجيش وحده، ولا الحكومة وحدها، بل نخوضها جميعًا… إن كنا نريد فعلًا أن نترك لأبنائنا بلدًا يستحقونه.

المطلوب الآن أن نكون على وعي.

لأن الحرب لم تعد دبابات وطائرات، بل تدوينة وفيديو مفبرك وحملة مُمولة تبث السواد في النفوس. المطلوب أن لا نترك الوطن في ساحة معركة الوعي بلا سلاح. أن ندافع عن ما نراه بأعيننا، وما نعيشه كل يوم. أن لا نكون جمهورًا سلبيًا يتفرج، بل مشاركين في صناعة المستقبل.

“مصر… قلب العالم النابض”، قالها حمدان، واليوم نحن أمام لحظة حاسمة، إما أن نُكمل هذا البناء، أو نتهاوى أمام الضجيج.

نعم، هناك صعوبات، وهناك أعباء، لكننا نخطو نحو المستقبل. صحيح أن الطريق مليء بالتحديات، لكن الأصعب كان أن نظل مكاننا، نأكل من أعمارنا، ونشاهد العالم من بعيد.

الذين لا يعجبهم هذا التغيير ليسوا خصوم النظام فقط، بل خصوم الدولة، خصوم الحلم المصري، خصوم كل طفل وُلد في قرية فوجد مدرسة، ومواطن انتقل من العشوائية إلى حياة كريمة، ومزارع سمع بخبر مشروع “الدلتا الجديدة” فعاد يحمل فأسه ويزرع.

لقد تغيّرت مصر، والمطلوب أن نكون على قدر هذا التغيير.

ليس بالتصفيق، ولكن بالوعي ليس بالخوف، ولكن بالإصرار.

فكما قال جمال حمدان:

“مصر لا تُقاس بغيرها، بل يُقاس غيرها بها”.

ومن لا يرى ذلك، فليقرأ التاريخ… أو فليعد النظر فيما حوله.

تابع مواقعنا