وعملت إيه فينا السنين؟.. أثر الثانوية العامة لا يزول رغم مرور السنوات
توتر، شعور بالخوف، آلام بالمعدة، صداع مزمن.. كلها أعراض تصاحب البعض كل عام في نفس الموعد، حيث يعود القلق ليسكن القلوب من جديد، ولو كان أصحابه قد تجاوزوا تلك المرحلة بسنوات طويلة، أشخاص أنهوا دراستهم الجامعية وحققوا نجاحًا في حياتهم المهنية، يتألمون كما كأنها أول مرة ويجدون أنفسهم فجأة أسرى لذاكرة لا تنسى، وتفاصيل لا تموت، لحظة إعلان النتيجة لا تزال تحفر ألمها في النفوس، وكأن الزمن لم يمضِ، فما الذي يجعل هذا اليوم، رغم مرور الأعوام، يحمل كل هذا الثقل النفسي؟ ولماذا تظل الثانوية العامة جرحًا مفتوحًا في الوعي الجمعي للمصريين؟.
«التوتر النفسي هيلازمني طول حياتي».. بتلك الكلمات بدأت الطالبة الجامعية آلاء أبوالعلا سرد معاناتها النفسية مع الثانوية العامة، فعلى الرغم من تخرجها من الثانوية العامة منذ عامين، ودراستها الحالية بالمرحلة الجامعية إلا أنها مع بداية امتحانات الصف الثالث الثانوي تمر بوعكة صحية تنقل على إثرها إلى المستشفى ولا يجد الأطباء تشخيصا طبيا لها، مرجعين شعورها بالإعياء إلى سبب نفسي، أما مع يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة فيسيطر عليها التوتر، وتتجه إلى البعد عن مواقع التواصل الاجتماعي للتخفيف من حدة توترها وآلام معدتها.
وعملت إيه فينا السنين؟.. أثر الثانوية العامة لا يزول رغم مرور السنوات
وخلال حديثها مع القاهرة 24، تردف الفتاة التي تزحف نحو الـ 20 عامًا: «انتهيت من الثانوية العامة منذ عامين دفعة 2023، وحاليا أدرس في كلية بايو تكنولوجي، ومن حينها وحتى هذه اللحظة في كل عام تبدأ فيه امتحانات الثانوية العامة أتعرض لوعكة صحية شديدة وأدخل على إثرها المستشفى، لم أتعافَ من التوتر النفسي الذي عشته في الصف الثالث الثانوي رغم مرور عامين.
أنهكت الطالبة نفسها في الدراسة خلال الثانوية العامة حالها كحال جميع الطلاب، ما بين الدروس الخصوصية والمذاكرة لساعات طويلة متواصلة، وكانت تنقل إلى المشفى بعد كل امتحان ثانوية عامة تمر به من شدة التوتر والضغط، حيث كانت تتعرض لهبوط في ضغط الدم يجبرها على الذهاب إلى المشفى، ولازمها هذا التوتر حتى بعد تخرجها من الثانوية العامة ودخولها الجامعة.
حالة أبوالعلا لم تكن الوحيدة، حيث تمر بالأعراض نفسها سارة جمال، من طلاب دفعة الثانوية العامة 2014، والتي حصلت على 75 % وكان حلم حياتها حينها دراسة الطب، لكن لم يحالفها الحظ؛ لوقوع الظلم عليها بسبب التصحيح وفق قولها.
يوم نتيجة الثانوية العامة لـ سارة محفور في ذهنها ولم تنسه، على الرغم من مرور 11 عامًا على تلك اللحظة، ظهرت النتيجة حينها مع أذان مغرب يوم ما في شهر رمضان الكريم، على الفور أمسكت بهاتفها المحمول لتحصل على نتيجتها ففوجئت بها وفقدت وعيها في لحظة، ونقلتها أسرتها إلى المشفى وشخصت بصدمة عصبية حادة.
منذ مرورها بمرحلة الثانوية العامة، أصبحت الشابة العشرينية صاحبة لمرض الصداع النصفي المزمن والضغط رغم صغر سنها، بعد تعرضها للصدمة العصبية عقب ظهور مجموعها بالثانوية، على الرغب من استكمالها تعليمها الجامعي وعملها بمجال آخر وتحقيق نجاحات عدة فيه.
وعلى مدار الـ 11 عامًا، تمر سارة يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة بيوم صعب، ويصاحبها عدد من الأعراض الصحية، موضحة: «يوم نتيجة الثانوية العامة كل سنة بالنسبة لي كابوس وبحاول أبقى طبيعية وبفشل كل سنة، بحس بتوتر مش طبيعي، وصداع ووجع في معدتي شديد والمسكنات مش بتعمل حاجة، وكل ما أشوف بوستات على السوشيال ميديا عن النتيجة بتوتر أكتر وبحس بخوف وأنا مش عارفة خايفة من إيه».
وبسؤالها عما إذا كانت استعانت بطبيب نفسي لتتخلص من تلك الأعراض، تقول: فكرت ولكن دايمًا بتراجع؛ لأن قصة الثانوية العامة وحلمي اللي ما أقدرتش أحققه خلاص تخطيته وقدر ربنا واللي حصلي بعدها كان نعمة كبيرة.. وعرفت أد إيه إن اللي حصل كان من رزقي».

يوم 18 يونيو 2008، والذي عُرف حينها بيوم «الجحيم»؛ بسبب امتحان الفيزياء الأصعب في تاريخ الثانوية العامة، كان سببًا في تغيير مسار عدد كبير من طلاب دفعة 2008، الدفعة الأصعب على مدار عدد من السنوات لصعوبة امتحاناتها في أكثر من مادة، ومن بينهم رامي الناجي، الذي كان يطمح لدراسة الطب البيطري، لكن الثانوية العامة بدلت كل شيء، واليوم يعمل مديرًا للحسابات في إحدى الشركات الخاصة.
ويقول صاحب الـ 34 عامًا، إنه كان من طلاب شعبة علمي، ويذاكر يوميًا لساعات طويلة تمتد لـ 12 ساعة، حصل في الصف الثاني الثانوي على 91%، ولكن في الصف الثالث حصل على 75%، والسبب الرئيسي كان امتحان الفيزياء لصعوبته.
ما زال الشاب يستعيد تلك الأيام بحزن أحيانًا، لكنه راضٍ عما وصل إليه، مردفًا: أكيد الثانوية العامة أثرت في مستقبلي، وغيرت طموحاتي وكنتُ أتمنى مسارًا مختلفًا، لكننا في النهاية نأخذ نصيبنا من الدنيا.. أؤمن أن تطوير الذات والاستثمار في النفس أهم بكثير من مجموع الثانوية».

اكتئاب مستخبي
«هؤلاء يعانون من اكتئاب مستخبي» يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، موضحًا أن الاكتئاب المستخبي هو أحد أنواع الاكتئاب ويظهر على فترات في مواقف معينة، كموقف ظهور نتيجة الثانوية العامة على سبيل المثال.
وخلال حديثه مع القاهرة 24، قال استشاري الطب النفسي: بعض الناس بيكونوا واضعين نفسهم في مكانة وطموحات أكبر من قدراتهم وإمكانياتهم، وفي البيت قالوله يا دكتور من وهو طفل، فخلاص هو شايف نفسه إن هو الدكتور وهيدخل كلية الطب.. ومتعايش مع الحلم وهو غير متوافق مع القدرات والامكانيات بالتالي لما بتيجي نتيجة غير متوقعة يدخل الاكتئاب يسمى الاكتئاب مستخبي.
وأوضح: الاكتئاب المستخبي يظهر على فترات في مواقف خاصة في المواقف الحياتية، وبعض الحالات يتحولون إلى مرضى عقليين.. وحتى لو دخل مجالا آخر ونجح في حياته أو دخل كلية أخرى وحصل على الدكتوراه يظل الحلم مسيطرا عليه.. وارد يكون متعايش مع الواقع ومش حاسس بحاجة ولكن مع موعد نتيجة الثانوية العامة، سيشعر بالتوتر والخوف وبعض الأعراض المرضية الملازمة للتوتر».










