صفقة الأسرى بين تنازلات إسرائيل وحسابات حماس.. هل يقترب الحل؟
هل اقتربت لحظة الحسم في المفاوضات المعقدة بين إسرائيل وحركة حماس لتبادل الأسرى؟ مع تصاعد وتيرة الاتصالات في الدوحة، وتكثيف الوسطاء جهودهم لسد الفجوات، يترقب العالم رد حماس على التنازلات الإسرائيلية الأخيرة، في محاولة لإنهاء فصل آخر من الصراع المستمر في قطاع غزة.
هذه اللحظة، التي تتوسطها مصر وقطر، قد تكون الأقرب لتحقيق اختراق دبلوماسي، لكنها محفوفة بالتحديات التي تعكس تعقيدات الصراع وتداخل المصالح بين الطرفين، فما هي تفاصيل هذه الصفقة المرتقبة؟ وهل ستتمكن الأطراف من تجاوز الخلافات حول خطوط الانسحاب وعدد الأسرى للوصول إلى تسوية تحقق هدنة مؤقتة؟ أم أن الحسابات السياسية والاستراتيجية ستبقي الاتفاق معلقًا في مهب الريح؟
دفعة ملحوظة
في الأيام الأخيرة، شهدت المفاوضات دفعة ملحوظة، إذ عمل الوسطاء على صياغة مقترح يهدف إلى وضع التفاصيل النهائية لصفقة تبادل الأسرى، هذا الزخم يأتي في أعقاب جلسات مكثفة عقدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع طاقم المفاوضات في الدوحة، إذ تم استعراض التقدم المحرز والعقبات المتبقية.
الاتفاق المطروح، والذي يُوصف بأنه صفقة جزئية، يتضمن هدنة لمدة 60 يومًا، يتم خلالها إطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء، بالإضافة إلى 18 جثمانًا، في مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
وفقًا للمعلومات، سيتم الإفراج عن ثمانية أسرى إسرائيليين أحياء في اليوم الأول من الهدنة، يليهم اثنان آخرين في اليوم الخمسين، بينما يتم تسليم الجثامين على ثلاث دفعات إضافية، هذه الصيغة، رغم وضوحها الظاهري، تخفي وراءها تعقيدات دقيقة تتعلق بشروط التنفيذ والضمانات التي يطالب بها كِلا الطرفين.
مرونة حذرة
حماس، التي تُظهر مرونة حذرة في المفاوضات، تلمح إلى استعدادها لقبول الصفقة، لكنها تتمسك بشروطها التقليدية التي تهدف إلى تعظيم المكاسب، من المتوقع أن ترد الحركة بما يُعرف بـ «نعم، ولكن»، وهي استراتيجية تفاوضية تعكس رغبتها في استغلال التنازلات الإسرائيلية لتحقيق أكبر قدر ممكن من المطالب.
في صلب هذه المطالب، يظهر الخلاف حول خطوط الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، خاصة من محور صلاح الدين فيلادلفيا، وقد ابدت إسرائيل استعدادًا لتمديد خط الانسحاب إلى مسافة تتراوح بين 1000 و1200 متر من هذا المحور، وهو عرض يُعتبر تقدمًا ملحوظًا مقارنة بالمواقف السابقة.
لكن حماس تطالب بانسحاب أقرب، عند حدود 800 متر، مما يعكس رغبتها في تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي في المناطق الحدودية إلى أدنى حد ممكن، هذا الخلاف، رغم أنه يبدو تقنيًا، يحمل دلالات استراتيجية عميقة، حيث تسعى حماس إلى ضمان حرية حركة أكبر في القطاع، بينما تحرص إسرائيل على الحفاظ على درجة من السيطرة الأمنية.
نوعية الأسرى
إلى جانب قضية الانسحاب، تتركز المفاوضات أيضًا على عدد ونوعية الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم. حماس تطالب بإطلاق سراح المزيد من المحكومين بالسجن المؤبد، وهي فئة حساسة بالنسبة لإسرائيل بسبب التهم الثقيلة التي يواجهها هؤلاء الأسرى.
وفقًا للتقديرات، فإن الفجوة بين الطرفين في هذه النقطة تتراوح بين 100 و150 أسيرًا من هذه الفئة، وهي فجوة تُعتبر صغيرة نسبيًا، مما يعزز التفاؤل بإمكانية التوصل إلى تسوية. الوسطاء، وهم في هذه الحالة الولايات المتحدة وقطر ومصر، يعملون على تذليل هذه العقبات من خلال تقديم مقترحات وسطية تهدف إلى تلبية الحد الأدنى من مطالب الطرفين دون الإخلال بالتوازن الهش الذي يحكم المفاوضات.
تحقيق الأهداف
تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي تضيف بُعدًا آخر إلى هذا المشهد المعقد، في تقييمه للوضع، أشار إلى أن إسرائيل تقترب من تحقيق أهدافها في الحرب، مع الإشارة إلى أن جبهتي غزة واليمن لا تزالان مفتوحتين وتتطلبان حسمًا كاملًا.
هذه التصريحات تعكس التوتر الداخلي في إسرائيل بين الرغبة في إنهاء الصراع الحالي من خلال صفقة تبادل الأسرى والحاجة إلى الحفاظ على صورة القوة العسكرية. وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي يُعتبر من الأصوات البارزة في الحكومة الإسرائيلية، يبدو أنه يدفع نحو تسوية تُحقق مكاسب ملموسة دون التفريط بما تُعتبره إسرائيل خطوطًا حمراء، مثل السيطرة الأمنية على محاور استراتيجية في غزة.
من جانب حماس، فإن التركيز على ضمانات استمرار وقف إطلاق النار بعد الـ60 يومًا يعكس مخاوفها من أن تكون الهدنة مجرد استراحة مؤقتة تتيح لإسرائيل إعادة تنظيم قواتها واستئناف العمليات العسكرية، هذا الشرط، الذي لم يتم الإفصاح عن نصه الدقيق بعد، يُعتبر حجر الزاوية في موقف الحركة، حيث تسعى إلى تحويل الهدنة المؤقتة إلى أساس لوقف دائم لإطلاق النار.
لكن هذا الطموح يصطدم مع موقف إسرائيل، التي تُفضل الاحتفاظ بالمرونة العسكرية والسياسية للتعامل مع التطورات المستقبلية في القطاع. في هذا السياق، يبرز دور الوسطاء، وخاصة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي يُجري لقاءات مكثفة مع الوزير الإسرائيلي رون ديرمر وممثلين قطريين لمحاولة سد الفجوات وصياغة صيغة توافقية.
خطوة جريئة
التنازلات الإسرائيلية الأخيرة، التي تشمل تمديد خط الانسحاب واستعدادًا لإطلاق سراح عدد أكبر من الأسرى، تُعتبر خطوة جريئة في سياق السياسة الإسرائيلية الداخلية، فنتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا متزايدة من عائلات الأسرى والرأي العام الإسرائيلي، يحاول تحقيق توازن بين تلبية هذه الضغوط والحفاظ على دعم الجناح اليميني في ائتلافه الحكومي.
التوازن ليس بالأمر السهل، حيث يرى البعض في إسرائيل أن أي تنازلات إضافية قد تُفسر كضعف، بينما يرى آخرون أن إطلاق سراح الأسرى هو أولوية إنسانية وسياسية لا تحتمل التأخير. في الوقت نفسه، تواجه حماس ضغوطًا مماثلة من قاعدتها الشعبية في غزة، التي تتوق إلى تخفيف الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، مما يدفع الحركة إلى السعي لتحقيق مكاسب ملموسة في المفاوضات.
السياق الإقليمي يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى هذه المعادلة. تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي عن جبهة اليمن تشير إلى أن إسرائيل ترى الصراع في غزة كجزء من شبكة أوسع من التحديات الأمنية، بما في ذلك التوترات مع جماعات مثل الحوثيين.
السياق قد يدفع إسرائيل إلى تفضيل تسوية مؤقتة في غزة تتيح لها إعادة توجيه مواردها نحو جبهات أخرى. من ناحية أخرى، تسعى حماس إلى استغلال هذا الوضع لتعزيز موقفها التفاوضي، خاصة مع دعم الوسطاء الذين يرون في الاتفاق فرصة لتهدئة التوترات في المنطقة ككل.
السؤال المحوري
مع اقتراب موعد رد حماس، يبقى السؤال المحوري: هل ستتمكن الأطراف من تجاوز الخلافات حول خطوط الانسحاب وعدد الأسرى للوصول إلى اتفاق؟ الإجابة تعتمد إلى حد كبير على قدرة الوسطاء على صياغة ضمانات مقبولة لكلا الطرفين، وعلى استعداد إسرائيل وحماس لتقديم تنازلات إضافية، قد تكون هذه الصفقة، إذا تم التوصل إليها، خطوة نحو تهدئة مؤقتة، لكنها لن تكون نهاية الصراع.
فالقضايا الأساسية، مثل مستقبل حكم غزة وإعادة الإعمار، تظل معلقة، ما يعني أن أي هدنة ستكون هشة ومحفوفة بالتحديات، لكن في الوقت الحالي، يبقى الأمل معلقًا على رد حماس، الذي قد يحدد ما إذا كان الطريق نحو الاتفاق سيُمهد، أم أن الصراع سيستمر في دوامته المأساوية.
في هذه اللحظة الحرجة، يبدو أن الجميع ينتظر الخطوة التالية. إسرائيل، التي قدمت تنازلات غير مسبوقة، تنتظر رد فعل حماس لتحديد ما إذا كانت هذه التنازلات كافية لتحقيق اختراق. حماس، من جانبها، تدرك أن الفرصة مواتية لتحقيق مكاسب استراتيجية، لكنها تتحرك بحذر لتجنب أي خطأ قد يُضعف موقفها.
الوسطاء، بقيادة مصر وقطر يواصلون جهودهم للحفاظ على زخم المفاوضات، مدركين أن أي تأخير قد يُعرض الاتفاق للانهيار. في غزة، يترقب السكان أي بارقة أمل قد تخفف من معاناتهم، بينما في إسرائيل، تتزايد الضغوط على الحكومة لإعادة الأسرى إلى ديارهم.
مزيج من الأمل والحذر، فضلا عن التنازلات والشروط، يجعل من هذه المفاوضات واحدة من أكثر اللحظات حساسية في الصراع الحالي. الطريق إلى الاتفاق ليس مضمونًا، لكن الجهود المستمرة تشير إلى أن الأمل لا يزال قائمًا، وإن كان هشًا.





