إدارة الوقت مِفتاح بناء الإنسانِ الناجح موضوعًا لخطبة الجمعة اليوم | نص الخطبة
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم في المساجد وهو إدارة الوقت مِفتاح بناء الإنسانِ الناجح، وهو موضوع الخطبة الموحدة على جميع مساجد الجمهورية التابع للوزارة، عدا الجامع الأزهر لأنه يتبع المشيخة.
إدارة الوقت مِفتاح بناء الإنسانِ الناجح
وإلى نص الخطبة:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، أحمدُه حمدَ الشاكرِ المعتبرِ، وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ الواحدُ القهارُ، العزيزُ الغفارُ، سبحـانه هدى العقولَ ببدائعِ حكمِهِ، ووَسِعَ الخلائقَ بجلائلِ نعمِهِ، أقامَ الكونَ بعظمةِ تجليهِ، وأنزلَ الهُدى على أنبيائِهِ ومرسلِيهِ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، شرحَ صدرَه، ورفعَ قدرَه، وشرّفنا به، وجعلَنا أمّتَه، اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ عليه، وعلى آله وأصحابِه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
وبعدُ: فللنجاحِ جسرٌ ومسارٌ، ألا وهو الوقتُ، ذاك الجوهرُ الذي لا يُقَدرُ بالدرهمِ ولا الدينارِ، وإذا مَرَّ لا يعودُ، ولا يُشترى، ولا يدارُ، فهل آن الأوانُ لندركَ قدرَهُ؟ ونحسنَ صرفَهُ؟ ونضيءَ به المسارَ؟!
أيها الكرامُ، اعلموا أن الوقتَ رأسُ مالِ العمرِ، ومِفتاحُ النجاحِ والفلاحِ، الوقتُ وما أدراكم ما الوقتُ! يقولُ اللهُ جلّ جلاله: {وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ}، فأقسمَ ربُّنا بالوقتِ نفسِه، إشارةً إلى عظمِ شأنِه، ثم حذّرنَا من خسرانِه، فالعاقلُ من وعى، والرشيدُ من استثمرَ، قال النبيُّ المشرّفُ المعظّمُ ﷺ: “نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصحةُ والفراغُ“.
أيها الحبيبُ اللبيبُ: الوقتُ سيفٌ ذو حدين، إما أن تبنيَه، أو يهدمَك، إما أن توجهَه، أو يضلّكَ طريقًا، ويضيعَكَ زمانًا، يقول الإمامُ الحسنُ البصريُّ رحمَه الله: “ابنَ آدمَ، إنما أنتَ أيامٌ، كلما ذهبَ يومٌ، ذهبَ بعضُك“، فمن ضَيَّعَ وقتَه، فقدْ ضيعَ نفسَه، ومن أحسنَ إدارةَ وقتِه، فقدْ أحسنَ إدارةَ حياتِهِ.
أيها المكرمُ: اعلمْ أنَّه لا نجاحَ بلا تنظيمٍ، ولا تَمَيُّزَ بلا ترتيبٍ، فكم من مواهبَ دُفنتْ؛ لأن أصحابَها لم يتقنوا إدارةَ أوقاتِهم، وكمْ من قلوبٍ طَمَحَتْ، وأحلامٍ لمعتْ ثم انطفأتْ؛ لأنَّ الوقتَ ضاعَ في اللهوِ واللغوِ والتسويفِ، والإنسانُ الناجحُ لا ينتظرُ الوقتَ المناسبَ، بل يصنعُه، فيا أيها الحبيبُ، سَطِّرْ في دفترِ يومِك ما تحبُّ أن تلقى اللهَ به، واحذرْ من ساعاتِ الفراغِ القاتلةِ، فرُبَّ دقيقةٍ تُحيي قلبًا أو تُميتُ عمرًا!
أيها المكرمُ: ها هو الرسولُ الكريمُ ﷺ النموذجُ الأعظمُ في إدارةِ الوقتِ، فتأملْ معي يومَه المباركَ، كيفَ كان يوزّعُ وقتَه بين العبادةِ، والتعليمِ، والقيادةِ، والأهلِ، والمجتمعِ، لم تكنْ لحظةٌ تمرُّ في حياتِه إلا وهو في طاعةٍ أو خدمةٍ أو بناءٍ، قالتْ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها: “كانَ رسولُ اللهِ ﷺ في مهنةِ أهلِه، فإذا حضرتِ الصلاةُ، خرجَ إلى الصلاةِ“، فحتى الوقتُ داخلَ البيتِ كانَ محسوبًا بحسابِ المسؤوليةِ والمحبةِ.
أيها النبيلُ: ألا تعلمُ أن لإدارةِ الوقتِ ثمارًا يانعةً؟! إن منها النجاحَ في العملِ، والترقي في الدنيا، والسكينةَ النفسيةَ، والانضباطَ في الحياةِ، وصفاءَ الذهنِ، وزيادةَ التركيزِ والإبداعَ، ونيلَ رضا اللهِ تعالى، وتحقيقَ العبوديةِ الكاملةِ له في كلِّ لحظةٍ، يقولُ سيدُنا عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: “ما ندمْتُ على شيءٍ نَدمِي على يومٍ غربت شمسُه، نقصَ فيه أجلِي، ولم يزددْ فيه عملي“.
ويا أيها الكرامُ: علّموا أبناءَكُم إدارةَ الوقتِ من الصغرِ، واملؤوا أوقاتَكُم بالقرآنِ والذكرِ والعلمِ والعملِ الصالحِ، واقطعوا عنكمُ السهرَ فيما لا يفيدُ، والضياعَ في فضاءِ الشاشاتِ، وضعوا لأنفسِكُم أهدافًا وخططًا، واحفظُوا أعمارَكم؛ فإنها لا تعودُ، وما من نعمةٍ يُسألُ عنها العبدُ يومَ القيامةِ إلا وكان عمرُه أولَها، قال صاحبُ الجَنابِ الأنورِ والجبينِ الأزهرِ ﷺ”: “لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا وَضَعَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ، فحاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبُوا، واغتنموا أوقاتَكم قبل أن تندمُوا.



