لُطف من نوع آخر
كذاب اللي يقول إن حياته مافيهاش ولو على الأقل شخص واحد كان واقف في ضهره بدون ما يعوز منه أي مصلحة أو غرض.. من رحمة ولُطف ربنا بينا إن كتب لينا كلنا الشخص ده في حياتنا، يمكن بس بتكون مشكلة بعضنا إننا بنحصر الشخص ده في شخص معين لو ما جاش الدعم منه هو بالذات يبقي مفيش دعم هييجي من غيره.
يعني مثلا تلاقي شاب بيحب واحدة وراسم كل السيناريوهات المستقبلية في باله إنها هتكون شريكة حياته بس القصة تتفشكل لأسباب عدم محبتها له أو عدم التكافؤ، أو أي ظروف تانية فيحس إن كل خططه اتهدت ومش هتكمل، وفي النص ينسى إن جنبه والدة مش سايباه ليل نهار أو أب ماقصرش معاه أو أخ أو صديق واقفين في ضهره وبينسى معاهم كل مشاكله، محدش مننا جه للدنيا إلا ومكتوب له نصيبه من وجود شخص مخلص، وفي، وعايزه أفضل في كل شيء.
من حاجة وعشرين وسنة كانت السيدة "سامية" بائعة خضار بسيطة في منطقة منيل شيحة التابعة لأبو النمرس في الجيزة، بتشتغل الشغلانة المرهقة دي من صباحية ربنا لحد بالليل عشان تصرف على تعليم ومعيشة وتربية 4 أولاد.
“أولادي هيكملوا تعليمهم وهيبقوا أحسن الناس” ربنا أراد إن ابن منهم يكون كفيف وهو محمد، لا انشغلت عنه ولا قالت مش هخليه يتعلم.. لأ.. زيه زي باقي إخواته واللي هيقدرني على تربية التلاتة وتعليمهم هيقدرني برضه على تعليم الرابع.
من اللحظة الأولى دخلّت محمد ابنها الحضانة وكانت بتوديه مكان الحضانة وثم المدرسة الإبتدائي وبعدها الإعدادي كل يوم، الفكرة إن كل المدارس اللي كان محمد بيروحها كانت بتبقى بعيدة نسبيا عن بيتهم، والفكرة برضه إن ركوب المواصلات من مكان سكنهم هيبقى مش أفضل خيار من الناحية المادية.. فتقرر الأم تعمل إيه؟ تمشي هي وإبنها على رجليهم معظم المسافة كلها ولما يتعب تشيله على ضهرها باقي المسافة! متخيل؟
مش كده وبس، لما بتوصله بترجع عشان تبيع الخضار وبعدها ترجع تاني عشان تجيبه وترجع تكمل شغل! إيه القوة والإرادة والمحبة دول؟ في سنة 2023 يعني من سنتين بالظبط كانت نهاية المشوار وتتويجه بالشكل اللي يليق بالست العظيمة دي.
محمد اتخرج من كلية الآداب جامعة القاهرة وصمم وهو بيستلم شهادته إن والدته تكون واقفة معاه على المسرح عشان يشكرها قدام الكل زي ما كانت واقفة معاه وفي ضهره من أول الطريق، مش كده وبس، ده حكى اللي الست دي عملته معاه بالتفصيل عشان يكون واقف النهاردة وهو بيستلم شهادته وبيتكرم وقال إن التكريم ده هي اللي أولى بيه منه. صحيح إن المذاكرة والاجتهاد كانوا بتوعه هو، لكن هي عملت معاه اللي خلاّه مصمم يطلع الأول ويتفوق وزي ما بيقولوا ياكل الكتب أكل عشان تبقى هي كلمة "شكرًا" اللي هي منتظراها وتستحقها.
أي فضل حصل أو حاصل أو لسه هيحصل لأي واحد فينا لو دورت وراه هتلاقي سببه بصمة أب عينه ماكانتش بتنام عشان يوفرلك كل اللي أنت عايزه، وأيادي أم كانت مرفوعة للسما كل ليلة بتدعيلك.
أي خير أو فضل أو نعمة إحنا فيهم النهاردة كان سببهم أب وأم عرفوا معنى إنهم يكونوا أب حقيقي وأم بجد، عشان كده هنفضل لآخر يوم في أعمارنا عايشين بخيرهم في خيرهم، وهنفضل دايمًا مديونين ليهم بدين مابيتسدش، وحب مايتقارنش، وامتنان مايتعوّضش.
ومش بس الأب والأم، أحيانًا بيكون أخ، أو صديق، أو حتى جار بيمد إيده من غير ما يستني مقابل، ورا كل خطوة نجحنا فيها، فيه حد كان مؤمن بينا، بيشيل عنا، وبيدعمنا من غير ما يحسبها.
الناس دي هي اللي بتصنع مننا اللي إحنا عليه النهاردة، وبدونهم كان ممكن نقف في نص الطريق، وهما اللي يستحقوا مليون "شكرًا" لإن مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله.


