صوتك أمانة
مع اقتراب موعد الانتخابات في الرابع والخامس من أغسطس، يبدو أن المشهد الانتخابي قرر أن يفتح علينا أبوابه يومين بدلًا من يوم، ربما إمعانًا في الإرباك، أو حتى لمنح "الوعود الهوائية" مزيدًا من الوقت لتتطاير في كل اتجاه.
انطلقت الحملات الانتخابية بقوة، لا لتقديم لبرامج واقعية، بل أصبحت الدعاية الانتخابية هجوم ساحق على الحواس، مكبرات صوت تصرخ في وجهك بأن صوتك أمانة، لافتات بحجم شاحنات تصفعك بصور مرشحين لا تجرؤ على النظر إليها قبل شرب القهوة، وعبارات من نوع "ابن البلد" و"خادمكم المخلص" تلاحقك كأنها إعلان عن مسحوق غسيل فاز بجائزة نوبل للصدق.
المرشحون، أو بالأحرى المتسابقون في مضمار الفوتوشوب، لا يشغلهم طرح رؤية أو تعديل تشريع، بل يتفننون في تنقية صورهم إلى درجة تجعلنا نبحث عن فلاتر للواقع نفسه. بعضهم لا يستطيع إدارة صفحة "فيسبوك"، ومع ذلك يحدثك بثقة عن تعديل الدستور.
أما المواطن هذا الكائن الأسطوري فهو مطالب، بين مطاردة لقمة العيش والقفز فوق الحفر، بأن يؤمن بأن صوته سيغيّر وجه مجلس الشيوخ، رغم أن المقاهي تهمس النتيجة معروفة والكرسي محجوز من بدري. فهل نحن أمام انتخابات أم إعادة تمثيل مشهد قديم بلا جمهور.
في الحقيقة، معظم الناس يرون أن مجلس الشيوخ لا يمس حياتهم اليومية لا من قريب ولا من بعيد. لا خدمات، لا طلبات إحاطة، لا مشاريع إسكان، لا صرف صحي، لا تدخل في أسعار الطماطم أو مصير رغيف العيش. مجرد جلسات ناعمة في قاعات مكيفة وبدلات رسمية تبدو أغلى من ميزانية القرية.
وفي أسوان، كما يُشاع، لا جديد تحت شمس الجنوب. لا منافسة حقيقية، لا وجوه لافتة، فقط بعض الهواة الذين اندفعوا بدافع الوهم أو الغرور أو ضغط من العيلة، وينتظرون يوم الفرز ليكتشفوا أن كل ما حصدوه هو صوتهم الشخصي، وربما نسوه.
لكن رغم هذا العبث، تبقى المشاركة في جوهرها فعل أمل نتمناه، نعم قد تكون الشعارات زائفة كعملة مزورة، لكن أن تقول "لا" بصوتك، أفضل من أن تصمت في وجه مسرحية يُراد لك أن تكون فيها كومبارسا.
فامنح صوتك لا لمن يطلبه بصراخ، بل لمن يستحقه إن وُجد. وإذا لم تجده، فربما يكفيك أن تُذكّرهم أن المواطن ما زال حيا، وإن تظاهر بالعكس.


