نحن وشات جي بي تي 4: هل نحتاج إلى تطعيم ضد هلوسات الذكاء الاصطناعي؟ البسترة المعرفية والمناعة الرقمية في زمن الخوارزميات
هل تعرف وجه الشبه بين شات جي بي تي وعملية البسترة؟ هل تعد هلوسات الذكاء الاصطناعي مجرد أخطاء عابرة، أم أصبحت ظاهرة تؤثر على طريقة فهمنا للواقع وتشكيل وعينا اليومي؟ هل تعتقد أن المجتمع أصبح يحتاج نوعًا من "التطعيم" ضد هلوسات الذكاء الاصطناعي كما احتاج إلى التطعيم ضد الأمراض المعدية؟ ما علاقة العالم الفرنسي لويس باستور الذي ابتكر عملية البسترة في كيفية التعامل مع أمراض المعلومات في العصر الرقمي؟
شهد عام 2025 ارتفاعًا مقلقًا في نسب الهلوسة داخل بعض نماذج شات جي بي تي، مما فرض تحديًا على المجتمع، لأن هذه الأخطاء ليست فنية فقط، بل تؤثر على طريقة بناء القناعات لدينا. في ظل ما يتم رصده من تعامل البعض مع الإجابات وكأنها حقائق مطلقة لا تحتاج التدقيق. وصرت اتسأل هل نحن نثق بروبوتات الدردشة أكثر مما ينبغي؟ وهل يجب علينا أن نتعلم كيف نشّك قبل أن نُصدّق؟
في القرن التاسع عشر اكتشف باستور أن الحليب قد يحتوي على بكتيريا ضارة، فأوجد عملية البسترة لحمايته. في حين نواجه حاليًا ظاهرة مشابهة، تتجلى في احتواء المعلومات الرقمية التي نتوقعها موثوقة على "بكتيريا معرفية" تحتاج إلى تطهير وتمحيص. فرغم أن الذكاء الاصطناعي يتمتع بقدرات فائقة في معالجة البيانات، قد يقدم أحياناَ إجابات خاطئة، ما يستوجب مراجعة آليات استهلاك وتقييم للمعلومات.
فعلى من تقع المسؤولية؟ هل على المطورين أم المستخدمين أم السياسات؟ وهل نحتاج إلى مدونة سلوك عالمية للذكاء الاصطناعي؟ كما توجد اتفاقيات دولية حول الصحة والأمن السيبراني، هل نحتاج إلى إطار أخلاقي دولي لحماية الأفراد من مخاطر المعلومات الناتجة عن الذكاء الاصطناعي؟ مع الإشارة إلى وجود جهود قائمة بالفعل، فالاتحاد الأوروبي أطلق قانون الذكاء الاصطناعي لوضع قواعد صارمة. ومنظمة يونيسكو تعمل على تطوير إطار أخلاقي عالمي للذكاء الاصطناعي. كما أن بعض الدول بدأت تدمج محو الأمية الرقمية في المناهج التعليمية كخط دفاع أول.
مثلما استخدم باستور جرعات مضعفة من الفيروسات لبناء المناعة، يُطرح اليوم تصور جديد لفكرة التطعيم الرقمي، أي تعريض العقول لسيناريوهات معلوماتية مضللة ضمن بيئات تعليمية آمنة. والهدف هو تعزيز القدرة على التمييز والتحليل وتحصين الأفراد ضد التضليل. ومن هنا تظهر الحاجة إلى مناهج تعليمية تُدرّب الطلاب على التفكير النقدي وليس التلقين واستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وواعٍ. وهناك بالفعل دعوات لتطبيق هذا المفهوم في التعليم والإعلام، مثل برنامج التطعيم الرقمي للأطفال في بريطانيا، الذي يهدف إلى تحصينهم ضد التضليل المعلوماتي منذ سن مبكرة.
كما يتحتم على المؤسسات الإعلامية أن تلعب دورًا فاعلًا في التطعيم الرقمي من خلال إنتاج محتوى توعوي لتعزيز التفكير النقدي وكيفية التحقق من معلومات نماذج الذكاء الاصطناعي، لتحصين المجتمع ضد التضليل الرقمي. كما يمكن للحكومات أن تنشئ منصات تحقق مؤتمتة تساعد المستخدمين على التأكد من المعلومات الناتجة عن نماذج الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي.
ولذلك لابد من تطوير آليات لعملية اقترح تسميتها "بسترة رقمية" أي التحقق متعدد المصادر، من شأنها تنقية البيانات وتعزيز مناعتنا المعرفية، فالذكاء الاصطناعي مهما كان مفيدًا، قد يصبح مسببًا لأوبئة معرفية إن لم نطوره مع وعي وقائي يحصن المجتمع من طوفان الخوارزميات المضللة.


