صالحت بيك أيامي
في ناس ربنا بيبعتهم فجأة.. يدخلوا حياتك من غير أي مقدمات، لا موعد سابق ولا خطة مرسومة، لكن لما بيجوا، بتحس إنك كنت مستنيهم من زمان، بتحس إن ربنا بعتهملك مخصوص علشان يرمم حاجة مكسورة جواك، أو ينورلك حتة مطفية في روحك.
الناس دي مش لازم يكونوا حب حياتك أو أقرب أصحابك، لكن هما "النقطة اللي وسط الكلام"، العلامة اللي بعديها الدنيا مابقتش زي قبلها، تلاقيهم بيكلموك في وقت كان نفسك حد يسمعك، أو يمدوا إيديهم وأنت واقع وأنت مش قادر تطلب مساعدة. هما بيفضلوا جنبك من غير ما يطلبوا حاجة، ومن غير ما تحس إنك مُطالب تشرح أو تبرر نفسك.
أنا شخصيًا، لحد أسبوع واحد بس، مكنتش أعرف إني أقدر أسوق في وسط البلد! تخيل؟ الشوارع اللي كنت بحسها متاهة، والعربيات اللي بتزمر كأنها بتشتم، والزحمة اللي بتخليني اتوتر، والعربية المانيوال اللي بتخلي رجلي الشمال تتعبني وحاجات كتير.. كنت متأكد إن ده مش مكاني في السواقة او ممكن اسوق فيها في يوم، لكن يومها قعدت مع حد، وحد من النوع اللي بيشوف فيك اللي انت مش شايفه. ساعتها بصته ليا كانت كأنها جملة بس جملة دخلت غيرت قلبي، كأن عينه بتقول لي: هو إيه اللي هيحصل؟ هيوقفوك في نص الشارع؟ هتتعلم وأنت ماشي!
ورغم أنه متكلمش، عينيه كانت ببصاته أحسن من أي مدرب ومتكلم تحفيزي بالمعنى التقليدي، لأنه كان صادق. كنت حاسس إنه شايفني فعلًا.. شايف خوفي، وترددي، وسقف قدراتي اللي أنا حاطه بإيدي، ومن هنا، اتحركت، خدت مفاتيح العربية، وركبت، وسُقت، وماكنتش مصدق إني بعمل كده وهو معايا.
في اللحظة دي، اكتشفت إني مش ضعيف زي ما كنت فاكر، وإن كل القيود اللي كنت حابس نفسي فيها كانت بس أوهام. كل العُقد اللي كنت شايلها من سنين اتفكت بجلسة بسيطة معاه، بكلمة حقيقية، من شخص دخل حياتي فجأة، من غير ما يعمل حاجة خارقة، بس كان موجود.
الناس اللي بالشكل ده، مش لازم يقعدوا كتير، رغم أن وجودهم بيغني عن معظم البشر، بس ممكن يظهروا كام مرة في حياتك ويمشوا، أو يفضلوا موجودين طول العمر، بس اللي بيفرق مش المدة.. اللي بيفرق هو الأثر، هما زي المرايا، بتشوف فيهم نفسك من زاوية عمرك ما شفتها قبل كده.
أوقات تحس إنهم بينوروا أماكن مطفية في روحك، يعرفوك على نُسخ منك إنت عمرك ما تخيلت إنها موجودة. يخلوك تكتشف إنك تقدر تمشي المسافات الطويلة لوحدك زي ما اكتشفت معاه أني أقدر أمشي شوارع طويلة في وسط البلد من غير ما ابص ولا اسأل احنا مركبناش ليه؟ علشان بس كل لحظة معاه هي حديث، وكل حديث هو فرحة بناخدها من قلب الحياة، وعلشان كمان في وجوده لما بتمشي كتير بس حد بيمشي جنبك ولو شوية المسافة نفسها بتتغير.
هما اللي بيعرفوا يطبطبوا من غير ما يلمسوا، ويشجعوك من غير ما يوعظوا، وجودهم بس كفاية يخليك تبطل جلد ذات، وتفهم إنك تستحق تبقى مرتاح، وتفرح، وتعيش.
ربنا ساعات مابيغيرش الظروف، بس بيبعَت لك شخص يغيّرك أنت، الشخص ده ممكن يبقى جارك، زميلك في الشغل، أو حتى واحد شفته صدفة. أو يمكن يكون ملاك حارس زي اللي قابلته، بس كل حاجة بعده بتبقى مختلفة.
أنا بقيت أؤمن إن ربنا ساعات بيستخدم الناس عشان يصالحنا على الحياة.. يصالحنا على نفسنا، على اختياراتنا القديمة، على أخطائنا وهنا بالمناسبة مينفعش برضه أنسى حد يمكن هنتكلم عنه بالتفاصيل بعدين، بيبعَت حد بيسمعك بصدق، يشوفك وأنت ساكت، ويفهمك وأنت مش عارف تعبر.
ولو قابلت حد بالشكل ده.. متسيبوش. حتى لو بعد شوية، حتى لو الظروف اتغيرت، خليه دايمًا في صلاتك، لأنه كان سبب في حاجة عظيمة.. يمكن ماحسهاش، بس انت حاسسها كويس، وعارف إنها كانت نقطة التحوّل فيك.
خد بالك، يمكن أنت كمان تكون الشخص ده لحد تاني، يمكن وجودك في حياة حد، حتى بكلمة، تكون هي اللي هتنقله من الضلمة للنور.
الناس اللي شبه النور دول، بيبقوا علامة من السما.. رسالة صغيرة جدًا، لكنها كفيلة تغيّر كل حاجة.
وأما لملاكي الحارس.. فالمقال مش بس ليك.. لكن كمان صوت أم كلثوم وهي بتقول صالحت بيك أيامي.


