بوكيه ورد بلدي

• بمناسبة نتيجة امتحانات الثانوية العامة والخوف والرعب اللي بيصاحبوا ظهور النتيجة ثم تبعات ده بقى من خصام أو عقاب أو خناق عمري ما أنسى رسالة شاب سكندري جميل اسمه أسامة بعتهالي من حوالي 9 سنين لما كان في ثانوية عامة، وخلاّني من خلال تجربته اللي حكاها إني أعيد النظر تاني في مفهوم الخوف بشكل عام في حياتي!

بيقول أسامة إنه وبمجرد ما عرف إن النتيجة ظهرت وقتها تعمد إنه مايدخلش يجيبها من على النت لإنه كان متأكد إنه بعد موضوع الغش والتسريبات اللي حصل في الامتحانات ساعتها ماكنش هيجيب مجموع كبير.. من الآخر نفسه كانت مسدودة من بعد أول امتحان لما عرف إن فيه حالات غش جماعية وده قلل من تركيزه في الباقي!.. صحي الصبح بدري وراح سايبر نت في منطقة بعيد عن بيتهم عشان يشوفها على رواقة.. شافها، واللي كان حاسبه لقاه!.. لقى نفسه جايب مجموع أقل من اللي هو كان عايزه واللي والده كان منتظره منه.. بيقول خدت بعضي وركبت الأتوبيس الأزرق بتاع النقل العام وأنا مش شايف قدامي، ولا عارف أنا رايح فين أساسًا، والشعور اللي كان مسيطر عليا هو الخوف وبس!

 خوف مواجهة أبويا اللي كان حاطط أمله كله فيا!.. هبرر إزاي، وهقول له إيه!.. وقف بالعافية في طُرقة الأتوبيس وعشان يحفظ اتزانه مع حركة الأتوبيس والمخمضة مسك في الدايرة البلاستيك اللي نازلة من العامود الحديد وكان هيقع أكتر من مرة بسبب عدم تركيزه.. بيقول: بصيت قدامي شفت راجل عجوز قاعد على الكرسي اللي قصادي لابس بدلة ومتأنتك وماسك في إيده بوكيه ورد.. منظره أساسًا كان مضحك بالبدلة الشتوي اللي هو لابسها في عز الحر والقيالة دي.. بيقول سرحت شوية في بوكيه الورد اللي هو ماسكه.. شوية وعيني جت في عينه.. لقيته راح صفر لي!.. ووجه كلامه ليا وقال: أنا شايفك دابب عينك فيه من الصبح.. خُده.. اُلقف.. وراح رامي البوكيه ناحيتي.. مسكته وقلت له: يا باشا أنا مش عايز والله تسلم.

 الراجل العجوز شوح بإيده وقال له: أنا كنت جايبه لـ مراتي ورايحلها بيه بس هقول لها إنك خدته، شاب جميل وطيب وواقف مش على بعضه وبيتنفض يبقى هو الأحق بيه، يالا حلال عليك.. أسامة إنشكح وشكره وفضل مبرق من الانبساط.. الحركة وجنتلة الراجل خلّوا روح الولد اتردت له وحس بامتنان عظيم ناحيته.. دب مناخيره في البوكيه وشم فيه وقال لنفسه: ما هو فيه ناس حلوة أهو.. والمعنى اللي كان مسيطر على كيانه كله كان مختصر في جملة واحدة هي إن صحيح ربنا ما بيهونش عليه يخلينا خايفين. 

الأتوبيس دخل على منطقة الشاطبي الشارع اللي بعد المستشفى على طول وجت المحطة اللي هينزل فيها الراجل العجوز.. وقف عند الباب.. بص لـ ورا.. عينه جت في عين أسامة.. قال له بصوت عالي: متخافش ها.. ونزل!.. أسامة بيقول إنه كان مذهول الراجل عرف منين إنه خايف!.. وبعدين هو نزل كده في نص الطريق رايح فين!.. جري أسامة جوا الأتوبيس عشان يتابع من الشبابيك الراجل رايح فين خصوصًا إنها منطقة مش سكنية يعني وكلها عربيات وفضل يراقبه بعينه، وشافه بيقرب لبوابة المكان الوحيد اللي موجود في المنطقة.. بوابة المقابر!.. بص بصة تانية على الورد اللي في إيده وشعوره بالامتنان تجاه الراجل الجميل ده تضاعف مليون مرة على الأقل!.. بالمناسبة.. والد أسامة استقبل موضوع النتيجة بصدر رحب على غير عادته بالذات كمان لما لقى ولاد كل زمايله اللي هو عارف إنهم دحيحة كانت مجاميعهم أقل من الطبيعي زي ابنه بالظبط.. أسامة اتعلم إن الخوف كل اللي بيعمله إنه بيسرق لحظات مهمة خسارة إنها تضيع عليه.

• مفيش خواف بيطلع خطوة لقدام، أو أموره بتمشي، أو بيقدر يحافظ على قُرب أقرب الناس له.. لو خوفك من الوحدة هيمنعك تنهي علاقة بتسحب منك طاقتك ومشاعرك على الفاضي يبقى لأ خليك وحيد أكرم لك.. لو بتحب حد ولو أنت ناوي خير فعلًا، ولو خوفك كلبش اعترافك بالمحبة دي تبقى ماتستحقش لا تحب ولا تتحب.. لو قدامك فرصة مهمة لمستقبلك بس متوقفة على خطوة شجاعة تاخدها وأنت بخلت بيها يبقى حلال عليك وجودك محلك سر.. الخوف بياكل الفرص أكل، ووجود الشجاعة كعنصر أساسي في أي إنسان حتى ولو بنسبة بسيطة يستخدمها وقت الحاجة شيء ممكن تقف عليه حياة الإنسان ده نفسه.. مش عيب إنك تخاف بس خيابة إنك ما تشوفش شوية الطمأنينة اللي بينزلولك في نفس لحظة خوفك يطمنوك.. اللي تخاف منه مايجيش أحسن منه.. الكاتب الجميل "عُمر طاهر" قال: طبيعي إنك تحس بالخوف بس أوعى تخلي ده يخوفك.