متى سنسبق رد الفعل؟!
لا جديد تحت الشمس أو فوق الأرض المصرية، لم تشرق الشمس المصرية اليوم على مشكلات جديدة تُذكر في القطاع الطبي المصري، ما أشبه شمس اليوم بالبارحة! غربت شمس الأمس على خبر استقالات لأطباء شباب من نيابات جامعية، وهذه لم تكن السابقة الأولى، ولن تكون الأخيرة، ولن تكون آخر الأحزان أو الاستقالات.
ظاهرة الاستقالات، بمرور الزمن، انتقلت من حالات فردية جدًا إلى شبه استقالات يومية. وإن استمر الحال على هذا المنوال، ستصبح استقالات جماعية، هذه الاستقالات لا تقتصر على قسم بعينه ولا جهة عمل محددة، بل تشمل جميع المستويات والأعمار والدرجات العلمية والوظيفية، وعجيب العُجاب أن الكل يعلم الأسباب، والجميع يقف منتظرًا أن يكون “رد فعل”.
تعلّمنا في الطب التدخّل السريع قبل تدهور الحالة، أن ننقذ المريض قبل فوات الأوان، جملة كنت أسمعها كثيرًا من أحد أساتذتنا: اسبق العيان قبل ما العيان يسبقك.
السؤال اليوم: هل سنظل رد فعل ونحن نعلم المشكلات؟ ليس هذا فقط، بل ونحن أيضًا على دراية كاملة بالأسباب!
لماذا نقف أمام القنبلة الموقوتة دون محاولة إيقافها؟ لماذا نصنع المشكلة ثم نبحث لها عن حل لاحقًا؟!
والنتيجة النهائية؛ أن لدينا مجموعة كبيرة من المشكلات المتشعبة، المتداخلة، المتعقدة، ونبحث لها عن حلول إبداعية خلاقة.
الأغرب في مشكلتنا أننا نملك الحلول لوقف استنزاف الأطباء وهجرتهم، لم نعد بحاجة إلى الوقوف عند الأسباب، ولا إلى طرح حلول جديدة، بل يجب علينا تطبيق ما لدينا بالفعل.
هل توفير بيئة عمل مناسبة للأطباء بهذه الصعوبة؟ هل توفير أساسيات العمل مستحيل؟
هل وضع جدول نوبتجيات بساعات عمل إنسانية تتماشى مع كونهم بشرًا صار دربًا من دروب الخيال؟!
استقالة الأطباء لم تعد شيئًا جديدًا يظهر على السطح، ولم تعد ناقوس خطر، لأننا وصلنا بالفعل إلى محطة الخطر.
الكل يعلم الأسباب، والنقابة قدمت الكثير من الحلول الممكنة والحيوية والجذرية لتفادي تكرار هذه المأساة.
وأن تخسر مصر أبناءها المخلصين، وعطاءهم، وحماسهم لوطنهم، فهي خسارة لا تُقدّر بثمن. تهاجر سواعد الوطن لتبني أوطانًا أخرى، ولسنا بحاجة إلى أن ننتظر وقوع الحوادث تلو الأخرى لنُغلق طريقًا سريعًا، ونرمي اللوم على السائق، في حين أن الطريق غير ممهد ولا يلتزم بأبسط قواعد الأمان.
الاستقالات المقدَّمة غير مُسبَّبة، لأننا جميعًا على دراية بأسبابها.
أتمنى أن يأتي اليوم الذي لا نكون فيه رد فعل، وأن نتدخل سريعًا قبل الوفاة.


