بعد إعلان الطوارئ الفيدرالية في واشنطن.. سي إن إن: أرقام الجريمة تكشف تناقضات كبيرة مع تصريحات ترامب
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية رؤيته الأكثر قتامة حتى الآن للعاصمة الأمريكية، مبررًا إعلان حالة الطوارئ الفيدرالية والسيطرة على شرطة واشنطن العاصمة، إضافة إلى نشر قوات الحرس الوطني في الشوارع، بزعم أنّ المدينة أصبحت مرتعًا لعصابات العنف ومجرمين متعطشين للدماء وشباب طائش تحت تأثير المخدرات ومشرّدين.
ترامب وإعلان حالة الطوارئ الفيدرالية في العاصمة
وفي تقرير نشر اليوم الثلاثاء، قالت شبكة سي إن إن الأمريكية أنه رغم أن سكان العاصمة، كغيرهم في المدن الكبرى، يتطلعون إلى مزيد من الأمان، فإن وصف ترامب الكارثي للوضع يتناقض مع البيانات الرسمية التي تشير إلى انخفاض حوادث سرقة السيارات وجرائم السلاح وجرائم القتل خلال العامين الماضيين، حيث أكدت عمدة واشنطن موريل باوزر أن معدلات الجريمة العنيفة وصلت إلى أدنى مستوى منذ 30 عامًا.
هذا التناقض بين خطاب ترامب المليء بالتهويل والواقع اليومي في معظم أحياء واشنطن أضعف مصداقية مزاعمه بوجود أزمة، فيما بدا أن العاصمة مجرد مسرح جديد لعرض قوته العسكرية، كما أوضحت باوزر أن إعلان الطوارئ يجب أن يُستخدم فقط في حال وجود موجات غير مسبوقة من الجريمة أو قصور في الأدوات الأمنية المتاحة، معتبرة أن ما أعلنه ترامب لا يستند إلى معايير الطوارئ الحقيقية.
وجاءت خطوة ترامب هذه ضمن سلسلة من قراراته في الأشهر الأخيرة التي اتسمت بالنزعة السلطوية، من عسكرة الأجهزة المدنية إلى نشر آلاف الجنود على الحدود الجنوبية، وإرسال الحرس الوطني ومشاة البحرية إلى لوس أنجلوس عقب اضطرابات مرتبطة بمداهمات للهجرة، وأبدى أعضاء الكونجرس عن منطقة العاصمة قلقهم من أن تكون هذه التحركات إطلاقًا ناعمًا للنزعة الاستبدادية.
وذكرت الشبكة أن التاريخ الأمريكي يحذر من قادة يبدأون كـ ديماغوجيين وينتهون كطغاة، كما كتب ألكسندر هاملتون قبل أكثر من 250 عامًا، وإذا كان ترامب قد استخدم في ولايته الأولى أزمات مشكوكًا في صحتها لتبرير سياساته، فإنه في ولايته الثانية يوظف سلطاته التنفيذية بشكل أوسع، سواء في واشنطن أو عبر البلاد وحتى على الساحة الدولية.
عمدة واشنطن وصفت استيلاء ترامب على صلاحيات مدينتها بأنه غير مسبوق ومقلق، خاصة إذا أُخذ في سياق تحركاته الأخيرة، مثل استخدام وزارة العدل لملاحقة مسؤولين في إدارة أوباما، ومحاولته تعديل الدوائر الانتخابية في تكساس لصالح الجمهوريين، وإقالة مسؤول حكومي بسبب بيانات البطالة، وفرض رسوم جمركية عقابية على البرازيل دعمًا لصديقه الرئيس السابق بولسونارو.
البعض يرى أن المؤتمر الصحفي لترامب لم يكن سوى استعراض سياسي، خاصة مع تصريحات مثيرة للجدل سمح فيها للشرطة بـ فعل ما تشاء، ما لاقى ترحيبًا لدى قاعدته المؤيدة، وزير الدفاع بيت هيجسيث، المعروف بخطابه الناري، تعهّد بأن القوات المنتشرة في واشنطن ستكون قوية وحازمة إلى جانب أجهزة إنفاذ القانون، بينما وقف إلى جانب ترامب المدعي العام بام بوندي ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل، في صورة رآها مراقبون محاولة لصرف الأنظار عن انتقادات بشأن ملفات جيفري إبستين التي لم تُكشف كما وعدت حملته.
ورغم أن نشر القوات قد يتكرر فيه سيناريو لوس أنجلوس، حيث انسحبت الوحدات الفيدرالية بهدوء بعد أسابيع، فإن الخطوة تحمل بعدًا سياسيًا؛ إذ يتيح لترامب مهاجمة معارضيه بوصفهم ضعفاء أمام الجريمة، حتى لو كانت الإحصاءات تشير إلى تراجعها.
مع ذلك، فإن بعض سكان الأحياء الأكثر تضررًا في العاصمة قد يرحبون بالوجود الأمني الكثيف، بينما يعتبر معارضوه أن اللجوء إلى الجيش في القضايا الأمنية المدنية تجاوز لسلطات الرئيس، وفي تحذير من لوس أنجلوس، قالت عمدة المدينة كارين باس إن ما يجري في واشنطن قد يكون اختبارًا جديدًا لفرض سيطرة فيدرالية أوسع على المدن، معتبرة أن ذلك إساءة لاستخدام القوات وانتهاك لحدود السلطة الرئاسية.




