الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

ماذا وراء الخلافات الداخلية في إسرائيل من النكبة إلى مخطط إبادة غزة؟

الأربعاء 13/أغسطس/2025 - 08:38 م

رغم مرور أكثر من 22 شهرًا على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، يجد الكيان الصهيوني نفسه أمام أزمة داخلية تكاد تكون الأشد خطورة في تاريخه المبني على الاحتلال والتهجير، هذه الأزمة تتمثل في الخلافات العميقة والعلنية بين المؤسسة السياسية، التي يقودها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحكومته اليمينية المتطرفة، والمؤسسة العسكرية، التي تشمل الجيش الإسرائيلي وقادة الأجهزة الأمنية مثل الشاباك والموساد.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي، إنه تم منع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زمير، من دخول مكتب وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، رغم وجود اجتماع مقرر بينهما لاعتماد تعيينات في الجيش، وذلك بعد أن وجه كاتس توبيخًا لزامير على خلفية تعيينات أجراها من دون موافقة وزير الدفاع، واعتبرها انتهاكًا للإجراءات المتعارف عليها.

ووفق البيان الصادر عن زمير، فإنه «صاحب السلطة الوحيدة المخولة بتعيين الضباط من رتبة عقيد فما فوق»، في إشارة إلى رفضه الضمني لتدخلات وزير الدفاع في الصلاحيات العسكرية، وتعكس هذه الواقعة تصاعد حدة التوتر بين رئيس الأركان وحكومة بنيامين نتنياهو، وسط خلافات مستمرة منذ أسبوعين بشأن الخطوات المقبلة في العملية العسكرية الجارية في غزة، والتي تعلن الحكومة أنها تهدف إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين المتبقين، وهزيمة حركة حماس.

يأتي ذلك في سياق أوسع من الانقسامات داخل المؤسسة الإسرائيلية حول إدارة الحرب وتوزيع الصلاحيات، ما يسلط الضوء على اتساع فجوة التنسيق بين المستويين السياسي والعسكري في واحدة من أكثر مراحل الصراع تعقيدًا منذ بدء حرب غزة.

الخلافات ليست وليدة اللحظة؛ إنها امتداد لتاريخ طويل من التوترات بين السياسيين والعسكريين في إسرائيل، بدءًا من عام 1948، الذي شهد النكبة الفلسطينية، حيث تم تهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من أراضيهم وتدمير مئات القرى لإقامة الكيان الاستعماري، ومع ذلك، في سياق الحرب الحالية، التي أدت إلى مقتل أكثر من 61 ألف فلسطيني وتدمير حوالي 70% من البنية التحتية في غزة، أصبحت هذه الخلافات أكثر حدة وانكشافًا، مع اتهامات متبادلة حول الفشل الاستخباراتي في 7 أكتوبر وعدم وجود استراتيجية سياسية واضحة للخروج من الحرب. 

هذه التصدعات دليل على هشاشة الكيان الصهيوني، الذي بني على الظلم والعنف، وكيف أن مقاومة الشعب الفلسطيني، خاصة في عملية طوفان الأقصى، وتكشف عن التناقضات الداخلية التي قد تؤدي إلى تفككه، منذ بدأت الخلافات بين السياسيين والعسكريين في إسرائيل مع تأسيس الكيان نفسه عام 1948، فيما يُعرف بالنكبة، حيث تم تهجير ما بين 750 ألف ومليون فلسطيني، وتدمير 531 قرية فلسطينية، مما شكل أساس الاحتلال الذي يستمر حتى اليوم.

آنذاك، لم تكن هناك مؤسسات رسمية مستقرة، لكن الزعيم الصهيوني دافيد بن جوريون، الذي أصبح أول رئيس وزراء، واجه خلافات مبكرة مع قادة الميليشيات الصهيونية مثل الهاجاناه، التي تحولت لاحقًا إلى الجيش الإسرائيلي، والإرجون، التي كان يقودها مناحيم بيجن، حيث كان بن جوريون يسعى إلى توحيد السيطرة تحت مظلة جيش رسمي، بينما أرادت الإرجون الحفاظ على استقلاليتها. 

بلغ الخلاف ذروته في يونيو 1948، عندما أمر بن جوريون بقصف سفينة ألتالينا التابعة للإرجون، والتي كانت تحمل أسلحة مهربة ومقاتلين، مما أدى إلى مقتل 16 صهيونيًا وإصابة عشرات آخرين في صدام دموي داخلي، هذا الحادث لم يكن مجرد نزاع عسكري؛ إنه يعكس الصراع على السلطة داخل الكيان الناشئ، حيث كان بن جوريون يرى في الميليشيات المستقلة تهديدًا لسيطرته السياسية، بينما كانت الإرجون تتهمه بتخاذل أمام الضغوط الدولية. 

ويظهر الخلاف كيف أن إسرائيل نشأت على العنف الداخلي، الذي كان يتوازى مع العنف ضد الشعب الفلسطيني، مما جعل أساسها هشًا منذ البداية، ومع مرور السنين، استمرت هذه الخلافات في الظهور خلال الحروب اللاحقة، كما في حرب 1967، التي انتهت بانتصار إسرائيلي سريع واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة.

ورغم تلك النتيجة، كانت هناك مؤشرات واضحة على تردد سياسي من جانب رئيس الوزراء ليفي أشكول، الذي كان يخشى رد فعل دوليًا، بينما ضغط الجيش بقوة نحو هجوم استباقي، وكان وزير الدفاع موشيه ديان ورئيس الأركان إسحاق رابين لهما دور مركزي في دفع الحكومة نحو الحرب، مستغلين الرأي العام الإسرائيلي الذي كان ينتقد أشكول بشدة بسبب خطابه المرتبك في مايو 1967، الذي أثار موجة من السخرية والغضب، مما اضطره في النهاية إلى التنازل عن وزارة الدفاع لصالح ديان. 

الخلاف يظهر كيف أن المؤسسة العسكرية غالبًا ما تفرض إرادتها على السياسية، خاصة في أوقات الأزمات، مما يؤكد أن الخلافات الداخلية لا تحول دون ارتكاب جرائم الاحتلال بل قد تعززها أحيانًا، كما في توسيع الاستيطان الذي أعقب الحرب.

أما حرب السادس من أكتوبر 1973، فقد كانت واحدة من أبرز حالات الخلاف، حيث فشلت إسرائيل استخباراتيًا وسياسيًا في تقدير نوايا مصر وسوريا بالهجوم، رغم تحذيرات بعض القادة العسكريين، وبعد الحرب، التي أدت إلى خسائر فادحة لإسرائيل، اتهمت رئيسة الحكومة جولدا مائير ووزير الدفاع موشيه ديان بالإهمال وسوء التقدير، بينما دافع العسكريون عن أنفسهم بإلقاء اللوم على السياسيين لتجاهل التحذيرات.

أدت الضغوط، حينها، إلى تشكيل لجنة أجرانات للتحقيق، التي أوصت بإقالة رئيس الأركان دافيد إلعازار، وأجبرت الضغوط الجماهيرية جولدا مائير على الاستقالة في أبريل 1974، هذا النمط يعكس كيف أن الفشل الاستخباراتي يؤدي إلى تبادل الاتهامات، مع تحميل العسكريين المسئولية الأكبر في البداية، لكن السياسيين يدفعون الثمن السياسي في النهاية، لا سيما أن تلك الحرب كانت انتصارًا معنويًا كبيرًا للعرب، إذ كشفت عن هشاشة الجيش الإسرائيلي، وأجبرت الكيان على إعادة التفكير في استراتيجياته، لكنها أيضًا أدت إلى تعزيز الاحتلال في مناطق أخرى.

في حرب لبنان الأولى عام 1982، برز خلاف واضح بين وزير الدفاع أريئيل شارون ورئيس الوزراء مناحيم بيجن، حيث وسع الجيش عملياته في لبنان متجاوزًا ما وافقت عليه الحكومة في البداية، وسط شكوك بأن شارون ضلل القيادة السياسية حول الأهداف الحقيقية، التي كانت تشمل طرد منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، كانت مذابح صبرا وشاتيلا، التي ارتكبتها ميليشيات صهيونية بغطاء إسرائيلي، وأدت إلى مقتل ما بين 1300 و3500 فلسطيني ولاجئ، نقطة تحول، إذ أدت إلى تحقيق رسمي عُرف بلجنة كاهان، التي حمّلت شارون المسئولية غير المباشرة وأجبرته على الاستقالة من منصبه كوزير دفاع.

هذا الخلاف يبرز كيف يمكن للعسكريين تجاوز الخطوط السياسية، مما يؤدي إلى جرائم حرب تثقل كاهل الكيان دوليًا وداخليًا، ويعكس الطبيعة الاستعمارية لإسرائيل التي لا تتورع عن التحالف مع قوى محلية لقمع المقاومة الفلسطيني، واستمرت الخلافات في حرب لبنان الثانية عام 2006، حيث ظهرت خلافات علنية بين رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ووزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيس الأركان دان حالوتس، مع اتهامات بالإدارة المرتبكة، خاصة في قرار توسيع العملية البرية قبل وقف النار. 

أدت اللجنة المعروفة بلجنة فينوغراد إلى انتقادات قاسية، واستقالة عدة مسئولين كبار، بما في ذلك حالوتس، كانت هذه الحرب فشلًا إسرائيليًا أمام حزب الله، مما يعكس ضعف التنسيق الداخلي ويعزز المقاومة العربية كقوة رادعة، وفي حروب غزة السابقة، مثل عملية الرصاص المصبوب عام 2008، وعملية عمود السحاب عام 2012، وعملية الجرف الصامد عام 2014، كانت الخلافات أقل علنية لكنها موجودة، خاصة في 2014 حول توقيت وقف النار واستهداف الأنفاق.

واتهم بعض الوزراء مثل نفتالي بينيت الجيش بالتردد، بينما دافع القادة العسكريون عن قراراتهم أمام سياسات سياسية غير مدروسة، وتلك الحروب كانت محاولات لقمع المقاومة الفلسطينية، لكنها أدت إلى تعزيز حماس وكشفت عن فشل استراتيجي طويل الأمد.

أما في الحرب الحالية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فقد أصبح الخلاف علنيًا وغير مسبوق، حيث يعارض الجيش الاحتلال الكامل للقطاع، محذرًا من حرب استنزاف، ويحث على استراتيجية سياسية للخروج، بينما يتجنب نتنياهو إعلان نهاية للحرب، مواجهًا اتهامات باستخدامها لبقائه السياسي أمام تهم الفساد.

رؤساء أركان سابقون مثل هيرتسي هاليفي، جادي آيزنكوت، وبيني جانتس، فضلا عن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زمير، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس الموساد دافيد برنياع، ينتقدون الحكومة علنًا، مع نشر بعض الجنرالات مواقفهم في الإعلام بشكل غير مألوف.

الاتهامات متبادلة حول إخفاق 7 أكتوبر، وعدم محاسبة المسؤولين، في حرب أدت إلى استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف، مع تدمير 70% من غزة، وموت مئات بسبب الجوع والحصار، هذه الإبادة الجماعية، كما أراها، تكشف عن فشل إسرائيل في مواجهة مقاومة فلسطينية متجذرة، فيما الخلاف الحالي أعمق بسبب الفشل الاستخباراتي، الحرب الطويلة بدون أفق، والضغوط الدولية، مع استخدام نتنياهو للحرب لتجنب المحاكمة، هذا التباعد يعكس أزمة هوية في إسرائيل، حيث يفقد الاحتلال شرعيته.

قد يؤدي الخلاف إلى سقوط نتنياهو، مع احتجاجات جماهيرية متزايدة ضد توسيع الحرب، كما في المظاهرات التي شهدتها تل أبيب في أغسطس 2025، حيث خرج عشرات الآلاف مطالبين بوقف النار وإطلاق سراح الأسرى، لذا تبدو الحرب الحالية على غزة أكثر من مجرد مواجهة عسكرية، فهي اختبار قاسٍ لقدرة إسرائيل على إدارة التناقضات داخل نظامها السياسي-العسكري، في وقت تتآكل فيه شرعيتها الدولية وتتزايد الضغوط الداخلية.

وإذا كان التاريخ قد أظهر أن الخلافات بين المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل ظلت دائمًا تحت السيطرة بعد انتهاء الحروب، فإن المعطيات الراهنة توحي بأن ما بعد غزة قد يكون مختلفًا جذريًا، وربما يضع أسسًا جديدة لعلاقة القوتين، ويعيد صياغة معادلة صنع القرار في واحدة من أكثر الدول إثارة للجدل في النظام الدولي المعاصر.

تابع مواقعنا