الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

كانت أيام

الجمعة 15/أغسطس/2025 - 01:02 ص

ابتسم في صمت كلما تذكرت نقاشاتنا أيام الجامعة، كنا حالمين، يملئنا الأمل بمستقبل مشرق، كل خططنا كانت بالورقة والقلم، كنا نحلل كل شيء وكأننا خبراء تقنيين، أكاديميين.

نتكلم في كل شيء، كرة القدم وكأننا مدربين محترفين، الفن وكأننا نقاد فنيين، السياسية وكأننا خبراء سياسيين، لم يكن يشغلنا سوي النقد البناء، وإضافة وجه آخر لكل حديث نتحاور فيه.


كانت نظرية الشبهية طاغية في كل تعليقاتنا، ولم يكن وقتها مواقع تواصل اجتماعي، ولم يكن هناك سهولة في الوصول إلى المعلومة كما الآن، وهناك صعوبة في التعبير عن رأيك إلا بالحوار المتبادل والمواجهة، بحضور الندوات المختلفة سواء بالجامعة أو النقابات، وكان معرض الكتاب بالنسبة لنا حدث جلل وعظيم نستعد له من العام للعام، كما أن مكتبة الأسرة كانت خير عون في عملية التثقيف والتأهيل، بجانب المكتبات العامة ومكتبة الجامعة، وكانت لقصور الثقافة دور حيوي، وطريقة الدراسة بالجامعة تقوم على البحث والقراءة، والمشاركة في الأنشطة الطلابية، كان لها عظيم الأثر في خلق حوارات ومناقشات ثرية، بكل الشخصيات القيمة التي قابلناها وكانت تحضر ندواتنا، كانت تستقطع من أوقاتنا الكثير لدحضها وتفنيدها.

كان بالنسبة لنا كل أمر قابل للتطبيق، وأن التغيير سهل بمجرد قرار من القيادة السياسية مهما كان موقعها، فرئيس الجامعة قادر أن يجعل جامعته في الصدارة، ويوفر كل مصادر الإبداع والبحث العلمي، وأن يكون أب لكل طلابه مع عميد كل كلية، وأن تكون الجامعة بيت وسكن، فيها المسرح والملاعب والمعمل وكل الأنشطة التي تفرز وتبرز المبدعين في كل مجال.

والدولة تسخر كل جهودها في اعتبار التعليم القاطرة الحقيقية لرفعة الوطن ونهضته، لينعكس ذلك على كل محافظة من محافظات الجمهورية بعملية تنمية وتوعية مجتمعية، والتوعية بكل ما يهدد سلم وأمن المجتمع، ويحافظ علي رقيه، وأن تتكامل الأدوار مع كل المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص في التطوير في تناغم يجعل من حياة المواطنين كريمة، وأن يتم توفير فرص عمل والبحث عن فرص استثمارية داخل كل محافظة ومدينة وقرية ودعم للمشروعات الصغيرة، ودعم الشباب الطموح لتقليل الهجرة الداخلية، وتوفير فرص حقيقية طالما هناك تكامل بين كل الجهات، فالجميع مستفيد.

وأن المحافظ في كل محافظة هو رئيس جمهورية، ويكون من أبناء المحافظة، ويتولى منصبه بالانتخاب، وكل مجلس المحافظة والمدن والاحياء والقري، ويخضعون للحساب والعقاب والمحاسبة عن كل تقصير، وأن تستفيد كل محافظة من مواردها لتحقق الرخاء لأبنائها.

هكذا كنا نتصور أن كل مسؤول في هذا الوطن أن يقوم بواجباته الوظيفية لتسهيل حياة المواطنين، وأن يتواجد بين الناس، وأن تكون هناك وسيلة إعلامية داخل كل محافظة لتبرز الإيجابي والسلبي بكل حرية وأريحية، وأن يعلموا أن النقد الهدف منه تصحيح المسار، وأن الرأي الآخر ليس عيبا.

فعملية البناء يجب أن تكون بالمشاركة، وأن نتعلم الديمقراطية بكل جوانبها ونتقبلها في سلام، دون تعنت وتمرد على الأغلبية.

وعلي تلك الشاكلة كانت أسئلتنا كثيرة والإجابة عنها ليست مستحيلة، وبالإمكان أن نعطي لها إجابة نموذجية وعملية، وواقعية بالجهد والشغف والرغبة الحقيقية في التغيير والوصول إلى الأفضل لبلادنا.

لماذا لم نصل إلى كأس العالم في كرة القدم؟

لماذا لا نهتم بباقي الألعاب الجماعية والفردية اهتمامنا بكرة القدم؟

لماذا ملأنا الدنيا ضجيجا عندما فزنا بميدالية واحدة أولمبية؟ 

لماذا الفن المصري الذي أثر في الوطن العربي كله لا يصل إلى العالمية؟

لماذا برغم ما نمتلكه من مقومات وإرث حضاري وتاريخي عظيم لا نكون في مقدمة الدول السياحية؟

كانت أسئلتنا لا تنتهي حتى على المستوي البسيط، عندما نعود من المدينة إلى القرية، كنا نشعر بالضيق، لقرى محرومة من مقومات الحياة الطبيعية، من طرق ممهدة، مياه نظيفة، كهرباء، وحدات صحية، رعاية اجتماعية، مدارس، مراكز شباب، مكتبات، لماذا ليست مدينة؟

كنا نظن بعد التخرج والعمل سنجعل من كل أحلامنا واقعا، وسيكون منا السياسي، والمعلم، والطبيب، وسنشكل المجتمع الذي نتمناه، وسنمارس بكل إيجابية أدوارنا.

تمنينا أن نخرج من دور النقد إلى دور الممارسة الحقيقية، لكن الواقع كان له رأي آخر، عندما صدمنا بالكابوس الحقيقي، وأنت تبحث عن فرصة عمل حتى لو كانت بعيدة عن مجال دراستك وتخصصك، القهر الذي وجهناه من تفشي المحسوبية والفساد، وئد الأحلام والتطلعات، وتحولت نقاشاتنا إلى مجرد ثرثرة لا طائل منها، وتحول كثيرون إلى بيادق في يد البيروقراطية، وهرب البعض من براثنها، ليكون ضحية هجرة غير شرعية، ومن طوى صفحة أحلام الماضي وتأقلم مع الواقع  المرزي بكل جوانبه، ليعيش في متاهة تكوين أسرة ويحول شغفه إلى ذكرى، لا نزال نبتسم علي ذكريات الماضي، وأصبح مستقبلنا هو أن نمر من عنق تلك الذكريات.

اليوم وبعد كل تلك السنوات الطوال هناك تغيير حدث على المجتمع المصري، لكنه لم يصل إلى ما كنا نصبو إليه، فلا نزال نحلم لبلدنا بالرفعة والريادة والمكانة التي تستحقها لتاريخها وعظمتها.

تابع مواقعنا