الأحد 07 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

معابر غزة.. إسرائيل تخنق القطاع عبر سيطرة عسكرية تكبّل الحياة وتعرقل المساعدات

معابر غزة
سياسة
معابر غزة
الأحد 17/أغسطس/2025 - 02:33 م

في قلب قطاع غزة المحاصر، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، تبرز المعابر كرمز للقمع المنظم الذي يهدف إلى خنق الشعب الفلسطيني، ومنعه من أبسط حقوقه في الحركة والعيش الكريم. 

يضم القطاع 7 معابر رئيسية، ستة منها تخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بينما يربط معبر واحد فقط، معبر رفح، القطاع بمصر، لكنه وقع من الجانب الفلسطيني، تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية منذ مايو 2024.

هذه الخطوة أدت إلى إعلان «هيئة المعابر» في غزة توقف حركة المسافرين وتدفق المساعدات الإنسانية بشكل كامل، مما فاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع، وهذا الواقع المرير يكشف عن سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى عزل غزة عن العالم الخارجي، وتحويلها إلى سجن كبير يفتقر إلى أدنى مقومات الحياة.

قيود معابر غزة

تبدأ قصة المعابر من أقصى شمال القطاع، حيث يقع معبر إيريز، المعروف أيضًا باسم بيت حانون، يُعتبر هذا المعبر البوابة الرئيسية لعبور الأفراد بين غزة والأراضي المحتلة، سواء للمسافرين العاديين، أو الحالات الإنسانية التي تحتاج إلى علاج طبي عاجل، أو التجار الذين يسعون لكسب قوت يومهم.

في بعض الأحيان، يُسمح من خلاله بالعبور نحو الضفة الغربية المحتلة، لكن هذا الأمر يبقى استثناءً وليس قاعدة، السيطرة الإسرائيلية الكاملة على المعبر تجعله عرضة للإغلاق المفاجئ بناءً على الأوضاع الأمنية أو السياسية التي يحددها الاحتلال. 

القيود المشددة التي تُفرض على المسافرين، من فحوصات أمنية معقدة إلى شروط تعجيزية، تجعل عملية العبور تجربة مرهقة نفسيًا وجسديًا، حيث يُعامل الفلسطينيون كتهديد محتمل وليس كبشر يسعون لتلبية احتياجاتهم الأساسية. 

هذه القيود لا تعكس فقط سياسة الحصار، بل تُظهر أيضًا كيف يستخدم الاحتلال المعابر كأداة للضغط السياسي والاقتصادي، مما يعزز من عزلة سكان غزة ويحرمهم من التواصل مع العالم الخارجي.

إغلاق شبه كامل

في شرق مدينة غزة، كان معبر كارني يمثل في السابق الشريان التجاري الرئيسي للقطاع، حيث كان مخصصًا لنقل البضائع بين غزة والأراضي المحتلة، هذا المعبر كان يعج بالحركة التجارية، حاملًا الأمل في استمرار الحياة الاقتصادية لسكان القطاع.

لكن منذ عام 2011، قرر الاحتلال إغلاقه بشكل شبه دائم، محولًا معظم الأنشطة التجارية إلى معبر كرم أبو سالم، هذا القرار لم يكن مجرد تغيير إداري، بل كان جزءًا من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تقليص النشاط الاقتصادي في غزة.

وإلى جانب إجبار السكان على الاعتماد الكامل على معابر أخرى تخضع لسيطرتهم المباشرة، فإن إغلاق معبر كارني أدى إلى نقص كبير في البضائع الأساسية، وزاد من معاناة السكان الذين باتوا يواجهون صعوبات جمة في تأمين احتياجاتهم اليومية، من غذاء ودواء ومواد بناء.

أما معبر ناحال عوز، الواقع أيضًا شرق غزة، فقد كان مخصصًا لنقل الوقود والغاز، وهما عنصران حيويان لاستمرار الحياة في القطاع، حيث يعتمد السكان على الوقود لتشغيل المولدات الكهربائية في ظل انقطاعات الكهرباء المزمنة. 

لكن هذا المعبر أُغلق بشكل دائم في عام 2010، بعد أن استهدفه الاحتلال بحجة تعرضه لهجمات متكررة، هذا الإغلاق لم يكن سوى ذريعة لتشديد الحصار، حيث تم تحويل إمدادات الوقود إلى معبر كرم أبو سالم، مما زاد من التعقيدات اللوجستية وجعل تدفق الوقود عرضة للتلاعب من قبل الاحتلال. 

نتيجة لذلك، عانى سكان غزة من نقص حاد في الطاقة، مما أثر على المستشفيات، المدارس، والبنية التحتية، وجعل الحياة اليومية تحديًا مضنيًا.

كان بوابة مهمة

في وسط القطاع، يقع معبر كيسوفيم، الذي كان يومًا ما بوابة مهمة، لكنه أُغلق تمامًا بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، هذا الانسحاب، الذي روّج له الاحتلال كخطوة نحو السلام، لم يكن سوى خدعة سياسية، إذ بقيت السيطرة على الحدود والمعابر بيد إسرائيل، مما جعل هذا الانسحاب شكليًا، واستمر الحصار بكل قوته.

إغلاق معبر كيسوفيم أظهر بوضوح أن الاحتلال لا ينوي منح الفلسطينيين أي درجة من السيادة أو الحرية، بل يسعى لإبقاء غزة تحت رحمته، محاصرًا سكانها ومحددًا مصيرهم.

معبر صوفا، الذي كان معبرًا تجاريًا، يروي قصة أخرى من قصص القمع الإسرائيلي، أُغلق هذا المعبر تمامًا خلال انتفاضة الأقصى عام 2002، في وقت كانت فيه الانتفاضة تعبر عن غضب الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال.

لم يكن إغلاق المعبر مجرد رد فعل أمني، بل كان جزءًا من سياسة العقاب الجماعي التي ينتهجها الاحتلال لكسر إرادة الفلسطينيين، ومن الجدير بالذكر أنه لا علاقة مطلقة بين معبر صوفا ومطار غزة الدولي، الذي دمره الاحتلال خلال الانتفاضة نفسها.

المطار الذي كان يقع جنوب شرق رفح، كان رمزًا للأمل في التواصل مع العالم، لكنه تحول إلى أنقاض تعكس وحشية الاحتلال وسعيه لتدمير أي بنية تحتية قد تمنح الفلسطينيين شيئًا من الاستقلالية.

إجراءات إسرائيلية صارمة

في جنوب شرق رفح، عند نقطة التقاء الحدود المصرية والإسرائيلية والغزية، يبرز معبر كرم أبو سالم، المعروف أيضًا باسم كيرم شالوم، كالمعبر التجاري الرئيسي حاليًا لغزة، هذا المعبر، الذي كان في الأصل مخصصًا لتنقل الأفراد بين مصر وإسرائيل، يقع على الحدود الشرقية لرفح داخل الأراضي الإسرائيلية، لكنه أصبح الآن المنفذ الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة، بعد خضوعها لإجراءات التفتيش الإسرائيلية الصارمة. 

يمر عبر هذا المعبر الغذاء والوقود والمواد الأساسية، لكنه يبقى تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة، مما يجعل تدفق المساعدات عرضة للتوقف في أي لحظة بناءً على قرارات الاحتلال، هذه السيطرة تحولت إلى أداة للضغط السياسي.

يستخدم الاحتلال المساعدات كورقة مساومة، مما يعمق من معاناة سكان غزة الذين يعتمدون على هذه الإمدادات للبقاء على قيد الحياة، التفتيش الإسرائيلي المشدد، الذي يتضمن فحص كل شحنة بدقة، يتسبب في تأخيرات كبيرة، مما يؤدي إلى نقص في المواد الغذائية والطبية، ويزيد من حدة الأزمة الإنسانية.

أما معبر رفح، الواقع أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، فهو المعبر الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي عبر مصر، كانت السلطات المصرية تسيطر على الجانب المصري منه، بينما كانت حركة حماس تدير الجانب الغزي، لكن هذا الوضع تغير بشكل دراماتيكي بعد أن أعاد الاحتلال الإسرائيلي احتلال محور فلادلفيا (الاسم الإسرائيلي للحدود الفاصلة بين مصر وغزة)، خلال اجتياح مدينة رفح ضمن الحرب المستمرة على الشعب الفلسطيني. 

هذا الاجتياح، الذي دمر المعبر جزئيًا، أدى إلى سيطرة القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني منه، مما تسبب في توقف كامل لحركة الأفراد والمساعدات الإنسانية التي كانت تمر عبره أحيانًا، هذا التدمير لم يكن مجرد عمل عسكري، بل كان استهدافًا متعمدًا لآخر منفذ يربط غزة بالعالم، مما يعكس نية الاحتلال في عزل القطاع تمامًا وإغراقه في كارثة إنسانية غير مسبوقة.

الواقع المظلم للاختلال

هذا الواقع المظلم يكشف عن طبيعة الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم المعابر كأدوات للعقاب الجماعي، مغلقًا معظمها أو محكمًا السيطرة عليها لمنع أي فرصة للتنفس أو الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني، من خلال إغلاق معابر مثل كارني وناحال عوز وكيسوفيم وصوفا، وفرض قيود مشددة على إيريز وكرم أبو سالم، وصولًا إلى السيطرة العسكرية على معبر رفح، يظهر الاحتلال كيف يمكنه التحكم بمصير شعب بأكمله، محرومًا إياه من أبسط الحقوق الأساسية. 

هذه السياسات ليست فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بل يكشف عن طبيعة الاحتلال الإسرائيلي الذي يستخدم المعابر كأدوات للعقاب الجماعي، مغلقًا معظمها أو محكمًا السيطرة عليها لمنع أي فرصة للتنفس أو الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني. من خلال إغلاق معابر مثل كارني وناحال عوز وكيسوفيم وصوفا، وفرض قيود مشددة على إيريز وكرم أبو سالم، وصولًا إلى السيطرة العسكرية على معبر رفح، يظهر الاحتلال كيف يمكنه التحكم بمصير شعب بأكمله، محرومًا إياه من أبسط الحقوق الأساسية. 

هذه السياسات ليست فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، بل هي جريمة ضد الإنسانية تهدف إلى كسر إرادة الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع.

معابر غزة ليست مجرد نقاط عبور، بل هي شرايين الحياة التي يعتمد عليها القطاع للبقاء. إغلاقها أو تقييدها يعني قطع هذه الشرايين، مما يؤدي إلى نقص في الغذاء، الدواء، الوقود، وكل ما يلزم لاستمرار الحياة. في ظل هذا الحصار المستمر، يواجه سكان غزة تحديات يومية لا تُحتمل، من انقطاع الكهرباء إلى نقص المياه النظيفة، وصولًا إلى انهيار الخدمات الصحية. المستشفيات، التي تعاني من نقص الوقود والمعدات، تكافح لإنقاذ الأرواح، بينما يضطر المرضى للسفر عبر المعابر لتلقي العلاج، وهو أمر بات شبه مستحيل مع السيطرة الإسرائيلية الكاملة.

ما يزيد الطين بلة هو الصمت الدولي إزاء هذه الجرائم. المجتمع الدولي، الذي يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، يقف عاجزًا أو متغاضيًا عن هذا الحصار الذي يُعد عقابًا جماعيًا محرمًا بموجب القانون الدولي. المنظمات الإنسانية، رغم جهودها، تجد نفسها مقيدة بالقيود الإسرائيلية، حيث يتم منع شحنات المساعدات أو تأخيرها تحت ذرائع واهية. هذا الوضع يطرح تساؤلات ملحة: إلى متى سيستمر هذا الحصار؟ ومتى سيتحرك العالم لإنهاء هذه المأساة؟.

يواجه الشعب الفلسطيني في غزة حربًا صامتة تُشن عليه من خلال المعابر، حرب تهدف إلى إضعافه وكسر إرادته، لكن التاريخ يعلمنا أن هذا الشعب، رغم كل المعاناة، يمتلك صمودًا لا يلين. المعابر، التي تحولت إلى أدوات قمع، يجب أن تُعاد إلى وظيفتها الأصلية كجسور للحياة والتواصل، لا كجدران للعزل والحصار، إن إنهاء هذا الحصار ليس فقط مطلبًا إنسانيًا، بل هو واجب أخلاقي وقانوني يقع على عاتق العالم أجمع، لإعادة الأمل إلى شعب يستحق الحياة الكريمة.

تابع مواقعنا