الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

ماذا حدث للعرب؟

الثلاثاء 19/أغسطس/2025 - 02:53 م

مع اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين، عام 2000، كان مشهد استشهاد الطفل محمد الدرة في حضن والده يوم 30 سبتمبر، أي بعد يومين فقط من اقتحام شارون للمسجد الأقصى وبداية الانتفاضة، هو الحدث الأبرز الذي هزّ الشارع العربي من المحيط إلى الخليج بشكل أكثر شراسة رغم أنه كان منتفضًا من الأساس غضبًا لانتهاك حرمة أولى القبلتين وثالث الحرمين.

لحظة كانت قاسية استنهضت الجماهير، فخرج الآلاف إلى الميادين والساحات في مشهد لم يخلُ بلد عربي منه تقريبًا.. وكتب الشعراء أغانيهم، وغنّى الفنانون لفلسطين وللدرة، وكان أبرز ما علق في الذاكرة أوبريت الحلم العربي، الذي تحوّل إلى نشيد للوحدة والأمل في الشارع العربي كله رغم إنتاجه عام 1996 أي قبل الانتفاضة بأربع سنوات.

في تلك الأجواء كانت مصر، شعبًا ودولة، في صدارة المشهد كعادتها قائدة لأمتها التي كانت ما زالت حية تعرف قدر الشقيقة الكبرى ومكانتها قبل أن يحدث ما نراه الآن من تشرذم وفرقة واقعة حتى وإن لم تكن معلنة.

حتى الحديث عن احتمال اندلاع حرب مع الكيان لم يكن مستبعدًا، بل كان مرحبًا به لو أن القيادة السياسية اتخذت القرار، بعكس ما نسمعه الآن من أصوات منبطحة تدّعي الوطنية بينما لا تدرك أن الجميع أهداف مؤجلة وأن السلام مع هذا الكيان مؤقت مهما طال، فهو لم يؤمن به يومًا ولم يكفّ عن السعي نحو أحلامه التوسعية المعطلة في فلسطين حتى الآن بفضل المقاومة.. كنت وقتها أخدم بالقوات المسلحة، وأذكر جيدًا كيف كانت عقيدتنا القتالية راسخة: هذا الكيان اللقيط هو عدونا الأول، وما زلت أتذكر تلك الليلة التي جلسنا فيها نترقب بشغف لقاءً للرئيس مبارك على التليفزيون المصري، لنعرف ماذا سيقرر. كانت حالة من التعبئة الشعبية العامة والتلقائية، وشعورًا بالمهانة من مشهد طفل يُقتل بدم بارد أمام العالم وقبله اقتحام الأقصى الشريف من قبل رئيس وزراء الكيان.

اليوم، وبعد أكثر من عقدين، نرى في غزة ما يفوق الوصف: قتل وتجويع وذبح لعشرات الآلاف من الأطفال والنساء، ومجازر لم يعرف لها التاريخ مثيلًا.
والأقصى أصبح مشهد اقتحامه اعتيادًا وخبرًا يمر كأنه لا شيء، وآخر تلك الانتهاكات كان قبل أيام عندما دخل بن غفير وزير الأمن الإسرائيلي المتطرف الأقصى ومعه الآلاف من الصهاينة بكل زهو وتفاخر بل واطمئنان.
المذهل أن كل تلك المشاهد لم تحرّك ساكنًا، ولم نر موقفًا عربيًا موحدًا يقول إن هناك أمة ما زالت حية. بل على العكس، نسمع عن تواطؤ وتآمر مع العدو للانقضاض على المقاومة، التي تمثل الضمانة الوحيدة لبقاء القضية الفلسطينية على قيد الحياة. رغم أن كل صاحب عقل يدرك أن كسر المقاومة يعني الشروع في تحقيق أولى خطوات ما يسميه نتنياهو علنًا بـ "إسرائيل الكبرى" حيث إنهاء القضية الفلسطينية بشكل تام وضم الضفة التي عمليًا لم تعد موجودة بعد كل هذا الاستيطان، بالإضافة إلى غزة، ومن ثم ينتهي شيء يسمى فلسطين.

والأدهى أن الشارع العربي نفسه صامت بشكل غير مسبوق.. لم نعد نرى تلك الحشود ولا تلك الأصوات، بل صار الحراك الذي يهتف لفلسطين يخرج من أوروبا، بينما العرب في غفلتهم لاهون.

أمام كل ذلك لا بد أن يفرض السؤال نفسه:
ماذا حدث للعرب؟
هل نجح العدو فعلًا في تغييبهم إلى هذا الحد عن قضيتهم الأولى التي تتعلق بشكل مباشر بمستقبلهم جميعًا؟

تابع مواقعنا