زوجة المناضل مروان البرغوثي: فيديو الـ13 ثانية أظهر بطلا تحدى الاحتلال في رمزية القوة والثبات رغم تغير ملامحه بسبب التجويع والتعذيب | حوار
13 ثانيةً فقط.. كانت كفيلة بأن تهزّ المشاعر من الوجدان، وتكون صادمةً للبعض، محيّرةً لآخرين، باعثةً للفرح والأمل في بعض القلوب، مشعلةً الغضب والحنين في قلوب أخرى، في فيديو نشره بن غفير للمناضل البطل، مروان البرغوثي، من داخل محبسه، لحظاتٌ تجمع بين الثورة والحكمة وعقالِ التجربة، لكن ما تردّد حينها في أذهان كثيرين سؤالٌ واحد، مفاده: أهو ذاك الشاب القوي، الذي صار رمزًا للكفاح والنضال؟ أَيكون هو نفسه الأسير الذي اشتهر بابتسامته الساخرة، ويديه المكبلتين بالقيود لكنهما كانتا دائمًا مرفوعتين متشابكتين، يواجه ويتحدى بهما محاكم الاحتلال في رمزية القوة والثبات، وذلك قبل سنوات مع بداية الألفية الجديدة التي نعيشها؛ حينها كانت أخباره وصوره مفتتحًا للنشرات وحديث الصحف.
الإجابة واحدة لا تقبل الشك: نعم، هو مانديلا فلسطين مروان البرغوثي؛ لكنه اليوم بجسد أنهكه سجون الاحتلال، وبملامح رسمها الزمان على الوجه، غير أن عقله لم يشيخ والدليل عينيه ما زالتا تلمعان بذات التحدي ونظرات الكفاح، رغم أنه لم يتحدث لكن لسان حاله يقول: هذه هامتي ستظل مرفوعة.. لم ولن أحنها حية.
لا أخفِ عليكم أنني كنت من بين من اجتاحهم هذا المزيج من المشاعر تجاه البطل مروان البرغوثي، لكن وسط هذه الثوان المعدودات، تردد في ذهني أسئلة منطقية: لماذا هذا الفيديو الآن؟ وما الذي دفع حكومة نتنياهو المتطرفة لإظهار الرمز -المتمثل في الشخص-؟ هل هو استعراض قوة، أم محاولة للتأثير في النفوس؟ وهل كان مقطع الفيديو الذي نشره وتفاخر به الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير مجتزأً، لأنه وجميعنا يعلم أن مروان لا يمكن أن يصمت أمام الباطل؟ ولماذا تخشى إسرائيل صفات الرجال والعقول الحرة المناضلة؟.
أسئلة تتزاحم، يضاعفها مشهد مروان وهو في محبسه الانفرادي منذ عامين، يقف أعزلا، شيخًا كبيرًا، بينما يقف المتطرف بن غفير على مسافة، تفصل بينهما أجساد حراس مفتولي العضلات؛ في مشهد يثير السخرية والدهشة معًا: لماذا يخيفهم مروان إلى هذا الحد؟
كثير من تلك الأسئلة لا يملك مفتاحها إلا من هي الأقرب إلى قلبه وعقله ووجدانه.. زوجته المناضلة الحقوقية السيدة فدوى البرغوثي، التي تحدثت إلينا في القاهرة 24 لتفتح لنا بعضًا من أبواب الحكاية، وتجيب عن تساؤلات ملأت الأذهان.. وإلى نص الحوار….
س/ بداية عندما شاهدتِ المناضل الكبير مروان البرغوثي بعد كل هذه السنوات أي إحساس كان أسبق لديكِ.. الفرح برؤيته أم التأثر لهيئته؟
للوهلة الأولى، لم أتعرف على أبو القسام بصدق؛ واختلطت عليّ مشاعري بين الخوف عليه بسبب تغير شكله نتيجة عامين من المطاردة داخل زنازين العزل الانفرادي والتجويع والاعتداءات المتكررة، وبين رؤيتي له لأول مرة منذ 3 أعوام، حيث إن المشهد وعلى الرغم من قساوته فإنه مكنني من رؤيته بعد هذه السنوات الصعبة.
س/ علقت بمنشور على فيس بوك جاء به: يمكن جزء مني ما بده يقر بما يعبر عنه وجهك وجسدك.. ما الذي حاولتِ ألا تعترفي به أمام نفسك؟
كان صعبًا علي أن أصدّق، فأنا لم ألتقِ به منذ 3 سنوات على الأقل، ولم أتوقع رغم كل ما حضر بمخيلتي طيلة السنوات أن تكون حالته الجسدية كما ظهر فاقدًا للوزن وتغير ملامحه بسبب التجويع والتعذيب والاعتداءات والحرمان من أبسط الحقوق ومقومات الحياة والعزل الانفرادي.
س/ ما الصورة التي بقيت في مخيلتك عن مروان قبل الأسر.. وما الذي تغير بعدما رأيته الجمعة الماضية؟
على الرغم مما ظهر في المقطع المصور، لكن الحقيقة أن صورة مروان في مخيلتي هي نفسها التي يحملها شعبنا له، صورة الثائر المناضل القائد المفعم بالأمل والحيوية والتفاؤل، المنشغل دومًا بتفاصيل وقضايا شعبه، مروان صاحب شارة النصر وسط الجنود الذين يحاصرونه في ساحة المحكمة، مروان صاحب الكاريزما في أروقة شوارع البلاد قبيل وخلال الانتفاضة، مروان المناضل الذي حول محاكمته اللاشرعية إلى مرافعة أدانت الاحتلال المجرم وقادته أمام العالم أجمع، هذه الصورة لن تتغير، حيث أن فكره وعقله ومعنوياته هي التي ينطق بها جسده.
س/ في الفيديو وقف مروان بينما بن غفير يضع بينهما حارسين قوي البنية.. لماذا برأيك يخاف بن غفير من سجين أعزل مقيد مسن؟
في الحقيقة، هناك مجموعة ظهرت في الفيديو وليس حرّاس فقط، منهم ما يُعرف بـ "مفوض مصلحة السجون" وهو أعلى سلطة في سلطة السجون الاحتلالية. ببساطة، أقول لك أن صاحب الحق وصاحب الأرض وصاحب القضية لا يخشى المواجهة، ومروان ابن البلاد وجغرافيتها وشوارعها وهي تحن عليه وتعرفه، لكنها تلفظ المستعمِر المحتلّ وهذا ما يشعر المتطرف بن غفير بالخوف أمام ابن البلاد مروان، أمام ثائر مناضل يدافع عن قضية شعبه العادلة وقد أفنى في سبيل ذلك قرابة 50 عاما متنقلًا بين السجون والإبعاد والمطاردة، هذا الوزير المتطرف يعرف من هو مروان وماذا يمثل، يعرف جيدًا أنه يستمد عقيدته ومعنوياته وعزيمته من شعبنا العظيم، ولأن هذا الشعب لا يُهزم، هذا الخوف سيظلّ يطاردهم.
س/ السؤال بصيغة أخرى هل تخاف إسرائيل من الرجال بصفاتهم سواء ذكورا أو إناثا أو حتى أطفالا من العقول الحرة المناضلة إذا جاز التعبير؟
بكل تأكيد، وهذا قطعي منذ بداية الاحتلال؛ إسرائيل تخشى من الأمل، وهي تسعى ليس لقتل الفلسطيني وجسده، وإنما أيضًا لقتل الأمل لشعبنا بالحرية والوحدة والعودة والاستقلال، مروان يشكل أمل كبير لشعبنا، لذلك هي تخشى منه، وتحاول من خلال استهدافه قتل الأمل لشعبنا.
س/ بوجهة نظرك.. ما دلالة التوقيت الذي اختاره المتطرف بن غفير لاقتحام الزنزانة ونشر الفيديو؟
لا أعلم تمامًا ما هو المخطط، وربما هذا لا يهم، المهم برأيي هو أن هناك ساحة حرب في السجون وأجساد الأسرى مستباحة وهم يتعرضون للتعذيب والتجويع، المطلوب وقف هذه الحرب التي تشنها إسرائيل من طرف واحد ضد العزّل، تمامًا كما هو مطلوب وقف مجازر الإبادة الجماعية والقتل والتدمير في قطاع غزة الحبيب والضفة الغربية وفي كل مكان.
س/ بعد عامين تقريبا من الحبس الانفرادي وانقطاع الزيارات هل مثل لك ولكثيرين ظهور مروان البرغوثي بصيص أمل وأن بن غفير بحمقه المتطرف خدم مروان من حيث لا يعي؟
كما قلتُ، هم حاولوا من خلال هذا المقطع إفقاد شعبنا الأمل، وأن لا خطوط حمراء تمنع إسرائيل من ارتكاب أي حماقة، لكن ما حدث هو النقيض تمامًا، فقط انقلب السحر على الساحر، مروان حمله شعبه وأمته وكل الأحرار في العالم عاليًا، وعبّروا عن إجماع ربما غير مسبوق حول قضية ما في السنوات الماضية، هذا الوفاء من شعبنا وأمتنا وأحرار العالم كسرت مخططات الاحتلال، لذلك دائمًا يقول أبو القسام: "الوفاء يُقابل بالوفاء".
س/ هل يمكنكم الاستفادة من مقطع الفيديو لإدانة بن غفير والاحتلال وقطاع السجون الإسرائيلية؟
نعم، أعتقد أن المؤسسات الدولية والحقوقية الممنوعة من زيارة السجون منذ بدء حرب الإبادة بإمكانها الاستفادة من هذ التوثيق لمحاكمة قادة الاحتلال ووقف الحرب التي تشنها إسرائيل على أسيراتنا وأسرانا منذ عقود.
س/ كيف تتعاملين كزوجة مع فكرة أن الاحتلال يلاحق مروان البرغوثي حتى وهو خلف الأبواب المغلقة؟
الاحتلال يخشى مروان، لذلك يطارده رموز الاحتلال حتى داخل الزنزانة، وهذا إن دل على شيء غير وحشية هذا المحتل وفاشيته، إنما يدل على خشيتهم من رموز النضال ومن حرية مروان القائد الذي يُشكّل الأمل للفلسطينيين والأحرار حول العالم، كيف لا وهو ابن هذا الشعب وشريكه في المعاناة والأثمان الباهظة في معركته التي يخوضها منذ عقود لإنجاز تحرره الوطني والديمقراطي العادل والمشروع.
س/ ما أكثر ما يقلقكِ الآن: تدهور حالته الجسدية، أم الأثر النفسي لما يتعرض له؟
كلا الأمرين، نحن كعائلة وكشعب أيضًا نخشى على حياة مروان كما نخشى على حياة كل أسيرة وأسير، وكل طفل وإمرأة وفرد من أبناء شعبنا في كل مكان، وأما عن معنويات مروان ووضعه النفسي، فصدقًا أقول لكم بأن أكثر ما يُقلق مروان وراحته هو ما يحدث لأبناء شعبنا فقط، هو قلق عليهم، ولا يأبه لما يحدث له، هو يدرك تمامًا هذا المسار وأثمانه وما يترتّب عليه، وقد قالها قبل عقدين: إذا كان ثمن حرية شعبي فقدان حريتي، فأنا مستعد لدفع هذا الثمن؛ لذلك، رسالة مروان هي أن تتوقف هذه الإبادة، هي أن لا تكون حياة الفلسطيني مستباحة بالقتل والاعتقال والملاحقة، لهذا ناضل مروان وأجيالًا كاملة من الفلسطينيين، ومقابل ذلك هو ما يزال يتعرض لكل ما يتعرض له.
س/ هل تظنين أن ما جرى في هذا الظهور كان محاولة متعمدة لكسر معنوياته أمام العالم؟
حالة التضامن والالتفاف حول مروان ومشروعه التي ظهرت بشكل واضح خلال الأيام الماضية، وعزيمه مروان وما يمثله من أمل وتفاؤل بالنسبة للفلسطينيين وقضيتهم العادلة، هي رسالة واضحة للمحتل بأن إرادة الحرية تنتصر دومًا على كل محاولات سلبها.
س/ في ظل ما يحدث الآن ما الرسالة التي تتمنين أن تصل من مروان إلى أبناء غزة؟
كما قلت سابقًا، ما يهمّ مروان والأسرى هو أن تتوقف الإبادة، هذا همّه الوحيد صدقًا؛ إن أكثر ما يقلقه هو وضع شعبنا وهمومه وقضاياه، وقد كان منذ عرفته منشغلًا بشعبه ومصيره وهمومه اليومية، هذا مروان القائد هو ابن الشعب ومن الشعب وهو اليوم يتذوق آلامهم ويشاطرهم ما يعانونه.
س/ لو كان لديكِ الحق في زيارة مروان غدًا ما أول شيء ستقولينه له؟
سأقول له بأنك أمل شعبنا الكبير، وبأنك الأمل في الوحدة والحرية، وبأن شعبنا في أمس الحاجة إليك، سأقول له بأن فجر الحرية قادم لا محالَ، وأن حريته باتت أقرب من أي وقتٍ مضى.


