الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

فخ السويداء

الأربعاء 20/أغسطس/2025 - 09:14 م

لم تكن سوريا يوما ساحة للصراعات الهامشية بل كانت قلب المشرق ومختبرا دائما لقدرة شعوب المنطقة على التعايش برغم التباينات، لكن ما يجري اليوم في السويداء يثير حزنا عميقا وقلقا أكبر لأنه يضرب في صميم النسيج السوري المهدد أصلا منذ سنوات طويلة.

لقد تحولت أحداث السويداء الأخيرة إلى ما يشبه الفخ فهي ليست مجرد مدينة تحتج بل فخ سياسي وأخلاقي وقانوني ووطني وقعت فيه الدولة السورية أو لنقل حكومة أحمد الشرع التي لم تستطع أن تستوعب حجم الأزمة ولا عمق جذورها فما بدأ بمطالب محلية تتعلق بالكرامة ووقف الانتهاكات سرعان ما تحول إلى احتجاجات رافضة للسلطة المركزية وإلى شعارات لم تتوقف عند حدود الفيدرالية كما في الماضي، بل قفزت هذه المرة إلى حد المطالبة بالاستقلال التام عن سوريا.

ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إن حكومة الشرع خسرت حتى أكثر مؤيديها التقليديين فقد انضم كل من الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي إلى حكمت الهجري في مظاهرات السبت 16 أغسطس الجاري ووجها اتهامات مباشرة للحكومة بارتكاب مجزرة وتطهير عرقي ممنهج، والدعوة إلى تدخل دولي، واصفين ما حدث بأنه ضرب لوحدة المحافظة الإنسانية والتاريخية.

وإن كان أكثر ما صدم السوريين والعرب هو مشهد رفع بعض المتظاهرين للعلم الإسرائيلي في قلب السويداء وهو فعل مرفوض ومستنكر بكل المقاييس إلا أنه جاء كنتيجة طبيعية للسياسات الخاطئة ولغياب المعالجات الجادة ولا شك أن إسرائيل تسعى إلى استغلال هذه اللحظة واستثمارها لمصلحتها عبر اللعب على نقاط الضعف والشرخ الداخلي، هذا التطور لم يكن وليد لحظة غضب أو نزوة عابرة بل نتيجة مباشرة لفشل الحكومة في احتواء الغضب الشعبي إذ لم تفتح أي تحقيقات شفافة حول ما ارتكبته بعض الفصائل الموالية من انتهاكات، ولم يحاسب أي طرف مسؤول عن إزهاق الأرواح والاعتداء على المقدسات بل ترك الجرح مفتوحا ينزف فتفاقم الحقد وتعمقت القطيعة.

لقد كان من الممكن تفادي كل هذا لو امتلكت حكومة الشرع الشجاعة السياسية والأخلاقية لوقف التجاوزات سريعا وتقديم المتورطين للمساءلة ومنح الأهالي الثقة بأن كرامتهم ودمائهم لن تذهب سدي لكن التردد والإنكار ثم محاولات التغطية جعلت الأمور تنفلت من عقالها حتى وصلت إلى النقطة التي نراها اليوم محافظة بأكملها تتأرجح بين الانفصال السياسي والانفجار الأهلي.

وإذا كان الرئيس السوري قد خرج ليؤكد أن الانفصال عن سوريا أمر مستحيل وهدد من يحاول الاستقواء بالخارج فإن ما كان منتظرا وضروريا هو خطاب مختلف، خطاب يبعث الطمأنينة في نفوس أهالي السويداء ويعترف بالأخطاء ويعلن محاسبة مرتكبي الانتهاكات حتى تشفى الصدور ويشعر الناس أن الدولة لا تزال دولة عدل وقانون.

ما يجري في السويداء ليس حدثا محليا فحسب بل إنذار صارخ يذكر الجميع بأن سوريا مهددة بانقسام وجودي إذا لم تعالج الأزمات بجرأة وشفافية فالتاريخ يعلمنا أن الدول لا تنهار من الخارج وحده بل من شروخ الداخل حين تتسع وتترك بلا رأب أو مصالحة، أن السويداء اليوم ليست خصما لسوريا بل جرس إنذار لسوريا كلها والمطلوب ليس القمع ولا التهميش ولا المساومات المؤقتة بل مصارحة وطنية تعترف بالأخطاء وتُبنى على العدالة والمحاسبة لأن البديل هو تفكك الدولة وفقدان آخر ما تبقي من وحدة السوريين فالأوطان لا تُبنى بالشعارات ولا تصان بالإنكار بل تحمي بالعدل ومن يظن أن رفع الصوت في السويداء مجرد سحابة صيف عابرة فليتذكر أن الشرارة الصغيرة هي التي تحرق الغابة كلها، سوريا التي كانت يوما ما الإقليم الشمالي ومصر الإقليم الجنوبي خسارتها ليست خسارة لها وحدها بل لكل العرب.

تابع مواقعنا