مركب الثقة
بقى من ضمن العناصر الأساسية اللي بحكم بيها على علاقتي بأي شخص هي درجة الثقة اللي بقدر أحطها في الشخص ده.. وثقت فيه؟.. تمام يبقى هنقدر نكمل سوا مادام قدر يكسب ثقتي اللي هي أصلًا غالية ومش سهل تخرج لحد.. الثقة زيها زي المحبة وزيهم زي الكراهية برضه.. التلاتة مينفعش يروحوا لأي شخص كده وخلاص.
الكاتب دان كيلارك كتب عن قصة حصلت من 22 سنة في قرية صغيرة في هولندا.. كان أغلب أهلها بيشتغلوا في الصيد.. خرجت من القرية مركب كانت متحملة بكذا صياد.. حصلت عاصفة والمركب مارجعتش.. أغلب الظن إنها غرقت زي كتير من الحوادث اللي كانت بتحصل بنفس الشكل في نفس الظروف الجوية وقتها.. أهل القرية استعوضوا ربنا في الناس اللي اختفت زي اللي قبلهم.. من ضمن الناس اللي كانوا على ظهر المركب الشاب "بول".
أساسًا "بول" كان أبوه برضو صياد وغرق من كذا سنة فاتت بنفس الطريقة وهو بيصطاد.. مافضلش في البيت بعدها غير الأم وأخوه الصغير "هانز ".
في نصف الليل وفي نفس يوم غرق المركب؛ الناس على شاطئ القرية شافوا نور أحمر جاي من بعيد زي إشارات الاستغاثة اللي بتكون في السفن.. المشكلة إن الجو كان متقلب جدًا برضو وقتها وأي محاولة لمجرد الدخول لعرض البحر في الظروف دي هتبقى انتحار.. الوحيد اللي قرر يدخل البحر في الوقت ده هو "هانز "!.. الابن الوحيد اللي فاضل واللي أبوه وأخوه غرقوا قبل كده!.. قرايبه حاولوا يمنعوه لأنهم متأكدين إنه هيلقى نفس المصير والحد الوحيد اللي شجعه يدخل كان أمه وده حصل بعد فترة تردد!.. وهو واقف على الشط بيستعد للدخول بمركب إنقاذ؛ أمه مسكت إيده وحاولت في الأول تمنعه لأنها خايفة عليه بس لما لقته مصمم قالتله إنها واثقة فيه!.. دي آخر جملة قالتهاله.. دخل البحر وغاب جوه لحد عصر اليوم التاني.. كل ده والأم واقفة على الشط مستنياه.
لحد ما ظهر من بعيد شيء ضخم بيقرب.. لما قرب أكتر اكتشفت إنها مركب الإنقاذ الصغيرة اللي دخل بيها "هانز".. لما قربت المركب ووصلت للشط اكتشفوا إنه هانز.. بس؟.. لأ.. وكان معاه أخوه "بول".
"هانز" بيقول في نهاية القصة إن كل ما الموج كان بيعلى وفرص الغرق بتزيد؛ كانت ثقة أمه فيه وصورتها بينطوا قدام عينيه وبتزيد قدرته على المقاومة.. هي وثقت فيه وكان لازم مايضيعش الثقة دي وفي النهاية كسب ثقتها وكسب أخوه.
الأديب والصحفي السعودي محمد الرطيان: (الثقة مثل ناطحة سحاب بناؤها يحتاج إلى سنوات، وهدمها لا يحتاج إلا إلى ثوانٍ وكمية من الديناميت!).. ثقة اللي بيحبونا فينا بتخلينا مطمئنين وعندنا استعداد نخش في الدنيا والعك بتاعها بصدرنا.. في نفس الوقت لو اتقابلت الثقة دي باستهانة؛ بيقولوا إنها بتبقى ﺯﻱ ﺍﻷﺳﺘﻴﻜﺔ مع كل غلطة ﺑﺘﺼﻐﺮ شوية بشوية وحجمها بيقل.. لما حد يثق فيك، بتحس بطاقة خارقة بتواجه بيها أي صعوبة لكن بنفس القوة، لما حد يخذلك، لما يضيع ثقتك أو ما يكونش قدها، ده كمان درس بيوريك مين اللي يستحق مكانه جنبك ومين اللي لازم تحط له حدود.. الناس اللي بيعرفوا يحافظوا على ثقتك هما اللي بيبقوا أبطال حياتك الحقيقية، مش بالبطولات الكبيرة، لكن بالثبات والإخلاص والوفاء.. أما اللي بيخذلوك، فدول بيعلموك تحفظ طاقتك وتختار مين اللي يستحق شرف القُرب.


