تجارب وزارة التعليم !
البكالوريا، ونظام الثانوية العامة الجديدة، آخر مسارين خرجا من رحم منظومة تطوير التعليم قبل الجامعي، التي لا تتوقف.
المساران، تتشعب داخلهما مسارات أخرى أشد تعقيدا، من يحاول السير في دروبها غالبا ستبتلعه متاهة التطوير المعتمة.
لماذا مساران؟ ولماذا لم تتم المفاضلة بينهما أو استخلاص مميزات كل منهما في نظام واحد وإلزام الجميع به؟
داخل المدرسة الواحدة، ستجد نوعان من الطلبة، لا ينتميان إلى نظام واحد، وإن كان يجمعهما هدف رئيسي، هو عبور هذه المرحلة بنجاح وتفوق.
كل خطط تطوير التعليم الحالية والسابقة، تقريبا لم يتم اختبارها أو تقييمها بعد تطبيقها حتى الآن بشكل علمي مدروس.
الحماس وحده كان القاسم المشترك لكل وزراء التربية والتعليم الذين قادوا عملية التطوير، أما مدى جدواها او كفاءتها، فلم يتطرق إليها أحد بعد.
خلق نظام تعليمي يداعب خيال الطالب وينمي قدرته على الإبداع، هو الغاية من كل عمليات التطوير، فهل نجحت وزارة التربية والتعليم في تحقيقها؟
محاولات الوزارة لبلوغ هذا الهدف على مدى العقود الماضية، كانت متواضعة لا جديد فيها، باستثناء تلك التي نفذها الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم الأسبق، أحدثت ما يشبه الحراك المجتمعي، الجميع تفاعل معها، سواء بالسلب أو الإيجاب، وبغض النظر عن نجاحها أو فشلها في تحقيق أهدافها، فقد مثلت في بدايتها على الأقل ثورة على حالة الركود والترهل التي أصابت التعليم، أنا شخصيا كنت متحمسا لها وأحد المدافعين عنها، واستبشرت بها مثل كثيرين غيري، ساعد على ذلك نجاح الوزير في تسويقها، لكنها في المقابل أفرزت مشاكل من نوع آخر، مثل استشراء ظاهرة السناتر، والاعتراف بها في مرحلة تالية، وهجرة الطلبة للمدارس، كما أن نظام الامتحان بها سهل عملية الغش، ورأينا كليات قمة مثل الطب والهندسة بها نسب رسوب غير مسبوقة، بسبب التحاق طلبة دون المستوى بها.
الوزير الحالي الدكتور محمد عبد اللطيف هو الآخر حاول أن يسلك نفس المسار، وبمجرد أن وطأت قدماه الوزارة أطاح بمقررات دراسية، ظلت لعقود طويلة في صلب العملية التعليمية، دون أخذ الوقت الكافي لدراسة هذه الخطوة، ولا نعرف حتى الآن تداعيات قراراته، وسننتظر حتى تكشف الأيام وربما السنوات القادمة وحدها النتيجة!
لماذا إذن لا تتبع وزارة التربية والتعليم، خطوات البحث العلمي المعروفة عند تنفيذ خططها؟ ولماذا لا تبدأ مثلا بإطلاق حوار مجتمعي حولها، ثم تجربتها بعد ذلك على مجتمع طلابي مغلق، أو عدد محدد من المدارس وإخضاعها للملاحظة، وعلاج أي خلل فور ظهوره، وتعميمها حال نجاحها أو الغائها إذا فشلت؟ .. سؤلان آخران بلا إجابة أيضا!
التعليم أحد مصادر قوة مصر الناعمة، ومخرجاته أفرزت على مدى عقود أسماء لها إسهاماتها وبصماتها في كل فروع العلوم والمعرفة على مستوى العالم وليس مصر فقط، ومن ثم فعملية تطويره مهمة ومطلوبة، لكنها يجب أن تتم على أسس علمية وبشكل مدروس ومنظم، وليس عشوائيا أو بمبادرات فردية.


