نحن وشات جي بي تي 6: لماذا حذر مؤسسه من الفقاعة التي بناها بنفسه؟
في العصر الرقمي لا شيء ينمو أسرع من أمرين، نمو أرباح شركات الذكاء الاصطناعي وعجزنا عن العيش بدونها. لكن الأمر الأكثر صدمة حدث مؤخرًا، عندما خرج سام ألتمان مؤسس شركة "اوبن ايه آي" الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي بنموذج "شات جي بي تي"، ليقول للعالم ما لا يجرؤ أحد على قوله، أننا نعيش في فقاعة الذكاء الاصطناعي!!
إنه اعتراف غير متوقع من رجل تُقدر شركته بـ500 مليار دولار، ومن القائد الذي يخطط لإنفاق تريليونات الدولارات في المستقبل غير البعيد على مراكز البيانات. لكن هذا التناقض هو جوهر اللعبة، لأن ألتمان يعرف أن السفينة تغرق، لكنه يراهن على أن شركته ستكون آخر من يصل إلى قوارب النجاة، تمامًا كما نجت أمازون من انهيار فقاعة "دوت كوم" لتصبح إمبراطورية.
والأرقام تؤكد هذا الجنون، فشركة أمازون نفسها التي تخطط لإنفاق 105 مليار دولار هذا العام، قد تحقق فقط 5 مليار دولار من الذكاء الاصطناعي في 2025. بينما وصلت شركة مايكروسوفت إلى تقييم 4 تريليون دولار بفضل رهانها على الذكاء الاصطناعي، والتي تنفق مئات المليارات على بنية تحتية قد لا تدر عائدًا يُذكر مقارنة بإنفاقها.
وفي تأكيد للمخاوف المتزايدة أصدرت مجموعة استثمارية عملاقة تحذيرا ًيصف فقاعة الذكاء الاصطناعي بأنها أسوأ من فقاعة "دوت كوم" في التسعينات. والسبب أن الشركات العشر الأولى في مؤشر S&P 500 الأمريكي يتم تقييمها بشكل مُبالغ فيه أكثر مما كانت عليه الشركات التقنية في ذروة جنون الإنترنت عام 2000. وعندما انفجرت فقاعة دوت كوم، اختفت 5 تريليون دولار من قيمة الأسواق خلال عامين.
لكن هذه المرة المخاطر أكبر بما لا يقاس، لأن الفقاعة في التسعينات كانت محصورة في قطاع الإنترنت الناشئ. بينما اليوم الذكاء الاصطناعي متغلغل في كل شيء، من الهواتف إلى السيارات إلى أنظمة الرعاية الصحية. وعندما تنفجر هذه الفقاعة لن تكون مجرد كارثة مالية، بل زلزال اقتصادي يهز أسس الحضارة الرقمية بأكملها.
في المقابل رأي آخر يعتقد أن انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي سيكون أفضل شيء يحدث للتطوير الحقيقي في هذا المجال، فعندما تختفي الأموال الطائشة، ستبقى البنية التحتية والأدوات والأبحاث. وستصبح متاحة بأسعار معقولة للفرق الصغيرة التي تريد حل مشاكل حقيقية بدلًا من خلق كائن رقمي عملاق في صندوق، يبتلع تريليونات الدولارات ويُطعمنا أوهام الذكاء بالملعقة.
وهكذا نقف على مفترق طرق حضاري، إما أن نستيقظ من الإدمان الرقمي قبل أن تنفجر الفقاعة في وجوهنا، أو ننتظر حتى يفرض علينا الانهيار الاقتصادي صحوة مؤلمة نكتشف معها أننا بعنا عقولنا مقابل وهم الراحة وأن فقاعة الذكاء الاصطناعي ليست في الأسواق فقط، بل في العقل الجمعي المهووس بالسرعة، أسرع إنترنت أسرع سيارات أسرع صفقات. ثم جاء الذكاء الاصطناعي ليقدّم السرعة القصوى في الكتابة والرسم والتحليل. لكن كما أن الإدمان على السرعة في الطرقات يقود إلى الحوادث، فإن الإدمان على سرعة الخوارزميات قد يقود إلى أكبر حادث اقتصادي اجتماعي.


