الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

دموع الأم ورقصة ابنتها | قصة

الثلاثاء 26/أغسطس/2025 - 03:48 م

جلست على سريرها عاقدة ذراعيها، تضع سماعات الأذن تتذكر كل ما مرت به خلال هذا العام، كل ذكرياتها الآن صارت ضبابية مشوشة، لكنها مع ذلك تمسكت بآخر خيوط الأمل، وراحت تسترجع كيف بدأت المأساة.

فجأة طُلِقت أمها، حتى أعز صديقاتها كانت تهاتفها وتدعي أنها تحبها وأنها رفيقتها الوحيدة، لم تسأل عليها حينما رسبت في امتحان التاريخ بسبب المشاكل الأسرية التي مرت بهل قبيل امتحانات الصف الثاني الثانوي، أمها نفسها أصبحت شيئا آخر، صارت في أشد مراحل غضبها، حتى إنها بدأت في احتساء الخمر يوميا وهي تبكي.

وفي إحدى المرات، صرخت في وجهها قائلة، إنها كرهت اليوم الذي أحبت فيه والدها التي أسمته بـ النجس، واليوم الذي تزوجته فيه ويوم أنجبتها وأحضرتها إلى الدنيا، كان رد فعل الفتاة ذات الـ 17 ربيعا حينما سمعت جملة أمها الأخيرة، أن بكت من الألم والحسرة واعترى صدرها ألم عظيم زاد من بكائها وحمر وجهها حتى صار في لون الدماء.

وبينما هي جاثية على ركبتيها تبكي، أفاقت والدتها على مشهد صغيرتها وهي تبكي بحرقة، في لحظة دون أن تدري، نسيت أنها أم!! نسيت أن هذه الفتاة أعز وأغلى ما لديها في حياتها كلها. توجهت إليها بتؤدة تجر ورائها كل أسباب الحزن والألم، ثم حملتها بيديها لكي تقف، وفجأة ضمتها إلى صدرها بقوة شديدة أحست معها بضلوعها ترتجف، وتساقطت معها الدموع، وسكنت في حضن أمها وقد غابت الصغيرة جزئيا عن الوعي.

وبينما الأم تبكي وهي تحتضن ابنتها رفعت رأسها في براءة قائلة: ماما أنتِ فعلا مش بتحبيني؟!.. ليرتجف بدن الأم وتشهق قائلة بحنان وصوت معتل يملأه الألم: لأ يا روحي!! ده أنا أموت ولا أسمع الكلمة ديه، أنتِ بنتي حبيبتي، أنا بس كنت في لحظة غضب.

ثم تعاود البكاء: أنا مقصدتش!! أبوكي خد مني كل حاجة حلوة، خلاني مش أنا، ووسط كل اللي أنا فيه، أنتِ الحاجة الحلوة اللي فضلة لي في حياتي.

نظرت إلى أمها ثم ضحكت برقة وهي تمسح الدموع عن عينها، وطرأ على ذهن الصغيرة أمر غير تقليدي، إذ اقترحت على أمها أن يسمعا أغنية؛ ضحكت الأم من توقيت طلبها إلا أنها وافقت، ذهبت الفتاة إلى مشغل الأغاني وضغطت على أحد الأزرار، ثم انطلق في أصداء المنزل صوت محمد منير وهو يغني: خليني أصرخ جوه حضنك من الحنان.. وكل ما أصرخ زودي الأحضان كمان»

ضحكت كلاهما ثم بدأتا ترقصان حيث أمسكت كل واحدة منهما بذراع الأخرى، وكلمات الأغنية تسري في أجواء المنزل «إملكيني ائسريني أعبري بيّ الزمان.. إملكيني ائسريني أعبري بيّ الزماااااااان.. صوتك أرق من النايات.. صوتك غنا مالي السكات.. صوتك مفيش أي شعب.. يقدر حبيبتي يوصفه».. ارتمت كلاهما على الأريكة وهما يضحكان من عبثية الموقف وإيجابيته في ذات الوقت، أمسكت الفتاة بيد والدتها وقبلتها قائلة: بحبك يا ماما وعمري ما هسيبك. لتعانقها الأم عناقا حارا أشعل قلبها بكل مشاعر الرأفة والحنان، قائلة بصوت منخفض: وأنا كمان يا حبيبتي، ومتخفيش، من دلوقتي عمري كله لأجل سعادتكِ. وغابت كلاهما في نوم عميق.

أفاقت من غفوتها تلك، وهي تتذكر هذه اللحظة المؤلمة التي مرّ عليها عدة أشهر، رغم قسوتها لكنها فتحت قنوات بينها وبين أمها أزالت أسوار العزلة التي كانت بينهما خلال فترة وجود أبيها إذ كانت أمها منشغلة في العمل وإرضائه حتى لا تتكرر خيانته لها، وهو كان يعطيها ما تريد من الأموال حتى تبتعد عنه.

الآن تسعى للمذاكرة بكل جهد حتى تلتحق بكلية الألسن كما كانت تتمنى، ولكي تقر عين أمها بها، من بعد كل هذه الآلام التي مرت بها. «يا أمل، الغدا جاهز، إنزلي يلا يا حببتي».

أطفأت الحاسوب وكانت قد أنهت سماع محاضرات مادة الجغرافيا السياسية، ثم تأملت كلمة «حبيبتي» التي تلفظت بها أمها، كم أحست بها بعذوبة حروفها، وكأن كل الكلمات تسمع بالأذن عدا هذه الكلمة لا تُسمع إلا بالقلب.

ارتسمت بسمةٌ صغير على وجهها وجرت دمعة وحيدة على خدها، ثم قالت بصوت كله براءة واشتياق: أنا جايه يا ماما.

تابع مواقعنا