هل يعقل هيكلة الصحة النفسية بطبيب عظام؟!
فور تعيين الدكتور أيمن عباس، أخصائي جراحة العظام والكسور، رئيسًا للإدارة المركزية للصحة النفسية، تواصل معي عدد من العاملين في القطاع بحالة من الاستياء إزاء هذا الاختيار، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة النقاش الأوسع حول مستقبل الأمانة العامة للصحة النفسية والحاجة المُلحّة لإعادة هيكلتها، ليس فقط على مستوى الإدارة المركزية، بل على مستوى رأس الأمانة نفسها.
التحفظات التي أُثيرت بشأن هذا التعيين تنطلق أولًا من كون الدكتور أيمن عباس ليس من أبناء التخصص، إذ أن قطاع الصحة النفسية بطبيعته يحتاج إلى قيادة تفهم خصوصيته وتعقيداته، فضلًا عن إلمامها بكيفية إدارة المستشفيات التابعة له، خصوصًا في ظل ما يُثار باستمرار من مخالفات إدارية داخل بعض المستشفيات، بل وحتى في مقر الأمانة ذاتها.
التجارب السابقة أثبتت أن الداخل في تفاصيل هذا القطاع دون خبرة كافية قد يغرق سريعًا في دوامة الروتين والبيروقراطية، مثلما حدث مع الدكتور بيتر وجيه، حيث تُستهلك طاقة المسؤول في جدالات أشبه بالجدالات البيزنطية التي لا تنتهي، مما يعطّل القدرة على اتخاذ القرار السليم.
من هنا كان التوقع أن يأتي الاختيار من خارج الأمانة، لكن من داخل الجامعات مثلًا، مع اشتراط أن يكون صاحب خبرة عميقة في الإدارة، وخصوصًا إدارة مستشفيات الصحة النفسية، لأن هذا المنصب لا يقوم فقط على التخصص العلمي، بل يتطلب شخصية إدارية تدرك خفايا هذا القطاع وألاعيبه، كي لا تقع في فخ المخالفات القانونية أو الإدارية.
اختيار أيمن عباس يُمثّل تحديًا محفوفًا بالمخاطر؛ فإذا نجح، فسوف يفتح الباب للاعتماد على كوادر من خارج القطاع وربما يضخ دماءً جديدة تنعش الإدارة المركزية ويهدم شرط تولي رئاسة الصحة النفسية من قبل طبيب نفسي، أما إذا فشل، فسوف يُضاف اسمه إلى قائمة من سبقوه ممن عجزوا عن إصلاح الكرسي أو إصلاح الأمانة بأكملها، فالأمانة إن صلحت، صلحت معها المنظومة كلها.









