جنود الظل
لسه لحد دلوقتي ورغم مرور أسبوع كامل على الواقعة لكن أصداء الاحتفاء بـ عم "طارق محمد" عامل المزلقان في محافظة بني سويف هي أساس حديث معظم الناس ووسائل الإعلام.
الراجل الطيب المحترم اللي قرر في لحظة إنه ينط بجسمه كله على شاب كان بيحاول يعدي والمزلقان مقفول بدون ما يكون واخد باله من القطر اللي جاي بمنتهى السرعة عشان بكده ينقذ عم "طارق" الشاب من موت محقق ويتكتب له بسبب تصرفه النبيل عُمر جديد.. وزي ما قرار عم "طارق" اللي اتاخد في لحظة كان سبب إنقاذ روح خلينا نرجع بالسنين لسنة 2021 عشان نتكلم عن "منة فاروق".
بنت مصرية جدعة كانت وقتها في سنة أولى كلية صيدلة جامعة القاهرة.. كانت في طريقها في الشارع في 6 أكتوبر مع صديقة ليها راكبين عربيتهم رايحين يحضروا عيد ميلاد صديقة تالتة عزيزة عليهم.. سمعت صوت فرملة عربية قوي من اللي هى بيبقى بعدها كارثة أو مصيبة دي.. حادثة.. في الوضع ده بيبقى قدام معظم الناس تصرف من إتنين.. يا إما يمشوا ويكملوا طريقهم خصوصًا لو بيخافوا من منظر الدم.. يا إما يقفوا يتفرجوا!.
"منة" اختارت حاجة تالتة خالص!.. نزلت من العربية ورجعت جرى على المكان اللي فيه الحادثة ولقت راجل مرمي على ضهره ووشه مليان دم والدم قافل على نَفَسه وجسمه فيه تشنجات.
المكان كان واقف فيه ناس كتير ملمومة معظمهم رجالة، والكل متردد وخايف.. هى كمان جالها لحظة تردد من خضة الموقف بس اللحظة دي ما أخدتش ثواني وبعدها بدون تفكير نزلت على ركبتها وسط الإزاز المتكسر حواليها وشافت النبض بتاع الراجل لقته مش منتظم.. بمنتهى الراحة ميلت جسمه على الجنب عشان الدم اللي كاتم على نَفَسه يخرج.. طلبت من اللي واقفين إنهم يجيبوا قطن بسرعة عشان تكتم النزيف اللي في بوقه ومناخيره.. حطت إيديها تحت راسه بزاوية معينة عشان كانت خايفة عموده الفقري يكون تأثر وبالتالي بعد الشر ممكن يتشل.. في عربية "منة"، وصديقتها كان بالصدفة فيه شنطة إسعافات أولية، والأدوات اللي فيها ساعدتهم في إنقاذه.
الشاب اللي كان اسمه "عبدالرحمن" بدأ يفوق وفتح عينه.. "منة" قالتله: (متخافش أنا معاك مش هاسيبك).. تصرف "منة" شجع باقي الواقفين إنهم يتحركوا.. اللي ساعدها في سندة "عبدالرحمن"، واللي اتصلت بالإسعاف، واللي وسع باقي الناس عشان مايبقاش فيه زحمة.. بتقول "منة" في حوارها مع الصحفي "محمد عبدالعزيز": (لما سمعت صوت الإسعاف وصلت قلبي ارتاح، وقولت إن كده مهمتي انتهت).
تم إنقاذ "عبدالرحمن"، و"منة" رجعت بيتها عشان تغير هدومها اللي بقت كلها دم عشان تلحق عيد الميلاد اللي كانت رايحاه بعد ما ربنا اختارها عشان تكون سبب في إنقاذ حياة بني آدم ماتعرفوش بسبب شجاعتها، وجدعنتها.. "منة" دابت وسط ملايين المصريين الجدعان اللي بيظهروا ويختفوا في الضل بعد ما بيعملوا حاجات عظيمة يستاهلوا بسببها إن وزنهم يتاقل بالدهب.
يا بخت اللي ربنا يختاره عشان يكون سبب في إنقاذ غيره، سواء كان إنقاذ حياة من موت محقق، أو نفس من اليأس، أو قلب من الإنهيار.. الإنقاذ مش بس إنك تمد إيدك لواحد بيغرق في بحر أو بيواجه خطر، لكنه كمان في إنك تنطق كلمة حلوة تخرّج بيها إنسان من دايرة الإكتئاب، أو تقدم دعم معنوي يمنع نفس تايهة من إنها توصل لطريق مسدود، أو تمنع لسانك عن نشر فضيحة عرفتها عن غيرك عشان غطا ستره مايتكشفش.
لحظة القرار دي اللي ممكن تكون مجرد كلمة طيبة، أو موقف شجاع، أو حتى ابتسامة بتدي أمل؛ التردد فيها وارد، لأننا بشر وبنخاف، لكن اللي بيفرق هو إنك تتخطى الخوف ده وتنفذ وتكون مؤمن إن مادام التصرف الفلاني جه في بالك يبقى ربنا اختارك تكون سبب.. ربنا بيختار القلوب اللي فيها خير عشان تكون جسر للغير، وده شرف عظيم، لأن كل خطوة زي دي بتثبت إن الإنسانية لسه عايشة، وإن أي لحظة ممكن تكون بداية حياة جديدة لإنسان.


