لماذا نشتري ما لا نحتاج؟
أغلبنا حينما يذهب إلى محل أو مول لشراء شيء محدد، يشتري أشياءً لم تكن في الحسبان، أو يتصفح متجرًا إلكترونيًا فيجد نفسه يدفع مقابل منتج لم يكن يعرف أنه موجود أصلًا، السؤال هو: لماذا نشتري ما لا نحتاج؟، ولا نأخذ بقاعدة امتلاك القليل مما تحتاج، أفضل من امتلاك الكثير مما لا يفيد.
العاطفة قبل العقل
أغلب قرارات الشراء لا تُتخذ بالعقل وحده، بل بالعاطفة، فكثيرًا ما نشتري لأننا نشعر بالملل، أو نريد مكافأة أنفسنا بعد مجهود، أو حتى لنهرب من ضغط نفسي، هنا يتحول الشراء إلى وسيلة لتفريغ المشاعر، وليس لتلبية حاجة حقيقية، مثل شخص يمر بيوم عمل شاق فيقرر شراء حذاء جديد أو وجبة فاخرة لمجرد الشعور بالراحة، رغم أنه لا يحتاج فعليًا لهذا الحذاء أو يمكنه تناول طعام أبسط.
قوة التسويق والإعلانات
الشركات تعرف كيف تلعب على مشاعرنا، الإعلان لا يقول لك "هذا المنتج موجود"، بل يهمس في عقلك: "لن تكتمل حياتك بدونه".. الألوان، العبارات، وحتى الموسيقى كلها مصممة لتدفعك للشعور بأن المنتج ضروري، ومع العروض والخصومات، يصبح من السهل أن نبرر لأنفسنا أنها فرصة لا تعوض، وأشهر مثال على ذلك إعلان يربط بين شرب المشروب الغازي والسعادة مع الأصدقاء، فيشتريه المستهلك بحثًا عن هذا الشعور، لا عن طعم المشروب الغازي.
ضغط المجتمع والمقارنة
نشتري أحيانًا لنظهر أننا مواكبين.. صديقك اشترى تليفون جديد؟ فجأة تشعر أن تليفونك القديم لم يعد يكفيك، جارك غيّر أثاث منزله؟ تبدأ تفكر أن أثاثك أصبح قديمًا، المقارنة الاجتماعية تجعلنا نخلط بين الحاجة الحقيقية والرغبة في إثبات الذات أمام الآخرين، هذا الضغط قد يكون مباشرًا، مثل تعليق من صديق على ملابسك أو سيارتك، وقد يكون غير مباشرًا من خلال متابعة المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي الذين يعرضون أسلوب حياة فاخرًا.
ومع الوقت، يتحول هذا الإحساس إلى سباق لا ينتهي: كلما اشترى الآخرون شيئًا جديدًا، نشعر أننا متأخرون أو أقل مكانة، المشكلة أن هذا النوع من الاستهلاك لا يقود إلى رضا حقيقي، بل يزيد من القلق والرغبة المستمرة في المزيد، وأشهرها شخص لديه تليفون يعمل بكفاءة، لكن عندما رأى معظم أصدقائه يغيرون هواتفهم إلى الطراز الأحدث، شعر أن تليفونه "متخلف"، والنتيجة: اشترى تليفوني جديدًا باهظ الثمن، مع أنه لم يكن بحاجة إليه، بل فقط ليشعر أنه على نفس المستوى مع الآخرين، فضغط المجتمع والمقارنة جعله يشتري ما لا يحتاج.
وهم الندرة والفرصة
الكمية محدودة أو آخر يوم للعرض، هذه الجمل هي تخاطب النفسية وتخلق وهمًا بأننا سنفقد فرصة ذهبية إذا لم نتصرف بسرعة. هذا الإحساس بالخوف من الفقدان، يجعلنا نتخذ قرار شراء متسرعًا دون التفكير في مدى حاجتنا الحقيقية للمنتج، وكثير من المحلات تعتمد على هذه الحيلة النفسية، لأنها تدفع المستهلك إلى الشراء تحت ضغط الوقت لا عن اقتناع، المشكلة أن معظم هذه "العروض" تعود مرة أخرى بعد أيام، ما يثبت أن الإحساس بالندرة مجرد خدعة وليست حقيقة، ممثل محل يضع عدادًا تنازليًا بجانب حذاء رياضي ويكتب: "متبقى 3 قطع فقط"، تحت تأثير القلق من ضياع الفرصة، يشتري المستهلك الحذاء فورًا، رغم أنه لم يكن ينوي شراءه أصلًا.
العادة لا الحاجة للشراء
مع الوقت، يتحول الشراء نفسه إلى عادة يومية أو حتى هواية. البعض يذهب للمولات كنوع من الترفيه، أو يتصفح المتاجر الإلكترونية كل مساء بلا نية شراء محددة. لكن التكرار يزيد فرص الإغراء، فالعقل يتعود على فكرة "الإضافة إلى السلة" وكأنها نشاط عادي. المشكلة أن هذه العادة قد تتحول إلى إدمان استهلاكي يجعلنا ننفق أموالًا على أشياء مكررة أو غير ضرورية إطلاقًا، وأشهرها البنات التي تتصفح تطبيقات الملابس كل ليلة قبل النوم، في البداية كانت مجرد عادة لتضييع الوقت، لكن مع العروض المستمرة بدأت تشتري قطعًا متشابهة مع ما لديها بالفعل، حتى امتلأت خزانتها بأشياء لم تُستخدم.
وهم المكانة الاجتماعية
الإنسان بطبيعته يسعى للقبول والاحترام داخل مجتمعه. لذلك، كثير من المشتريات ليست بدافع الحاجة، بل بدافع تعزيز المكانة الاجتماعية. نشتري ساعات فاخرة، سيارات جديدة، أو حتى ماركات ملابس باهظة لا لأنها الأفضل من الناحية العملية، بل لأنها تعكس صورة معينة عنّا، المكانة هنا تصبح جزءًا من هوية المستهلك "ناجح" مختلف " أواكب الموضة". هذه الدوافع تجعلنا ننفق أموالًا طائلة على أشياء قد لا نستخدمها كثيرًا، فقط كي يرى الآخرون أننا نملكها. وهنا تتحول عملية الشراء من إشباع حاجة فعلية إلى محاولة بناء صورة اجتماعية أمام الناس.
كيف نتجنب شراء ما لا نحتاج؟
- إعداد قائمة مسبقة: وضع قائمة محددة بالمشتريات قبل الذهاب للتسوق.
- قاعدة الـ 24 ساعة: تأجيل قرار الشراء لمدة يوم للتأكد من ضرورته.
- طرح سؤال الحاجة: التمييز بين "الحاجة الفعلية" و"الرغبة اللحظية".
- تحديد ميزانية: وضع سقف مالي واضح للإنفاق والالتزام به.
- التسوق الواعي: تجنّب التسوق أثناء الجوع أو الضيق النفسي.
- الحذر من العروض: تقييم العروض والخصومات بعقلانية وعدم الانسياق وراءها.
- المقارنة بين البدائل: فحص أسعار ومواصفات المنتجات المختلفة قبل الشراء.
- مراجعة الموجود: التأكد مما هو متوفر في المنزل قبل شراء جديد.
- تحديد الأولويات: ربط قرار الشراء بالأهداف المالية والشخصية طويلة المدى.
- التحكم في الرغبة الاستهلاكية: تنمية القدرة على قول "لا" للإنفاق غير الضروري.
شراء ما لا نحتاج مش مجرد مشكلة مالية، انما انعكاس لعوامل نفسية واجتماعية وتسويقية تؤثر في قراراتنا اليومية، الوعي بكل هذه الدوافع يمنحنا قدرة أكبر على ضبط استهلاكنا والتفريق بين الحاجة والرغبة، وعندما نتعلّم التحكم في قرارات الشراء، نصنع لأنفسنا حرية مالية ومساحة أوسع لتحقيق أهدافنا الحقيقية، واختم مقالي بمقولة لبنيامين فرانكلين المفكر الاقتصادي الامريكي "أن من يشتري ما لا يحتاج، سيبيع ما يحتاج.




