الجمعة 05 ديسمبر 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات
محافظات

محمد كمال يكتب: إحنا الصعايدة

الإثنين 01/سبتمبر/2025 - 04:53 م

إحنا الصعايدة.. إحنا السلالة الضاربة بجذورها في صميم التاريخ، إحنا جذع الشجرة الراسخة التي ما اهتزت يومًا لريح، إحنا حُرّاس الهوية ومشاعل الحضارة الأولى، إحنا أبناء الوادي الجنوبي الذين شربوا من النيل صفاءه، وارتشفوا من شمس الجنوب إباءها، وتشربت أرواحهم من صلابة الجبال ومهابة المعابد.

محمد كمال لـ وزير الخارجية

 

منذ فجر الدهور، يوم نُقشت نقوش الفراعنة على جدران المعابد الصلدة، كان الصعيد معقلًا للوفاء، وموئلًا للصمود، وساحةً للمروءة والنجدة، رجالُه أبطالٌ إذا عاهدوا صدقوا، وإذا قاتلوا ثبتوا، وإذا حملوا أمانةً أدّوها على أكمل وجه، لم يورثونا إلا العزّ والسؤدد، ولم يعلمونا إلا أن الكرامة حياة، وأن الإباء تاج فوق الرؤوس.

رجال المواقف والعهود

الصعيدي فارسٌ من طراز نادر، كلمته ميثاق، ووعده عَهْد، وصلابته أنفة لا تُكسر، هو رجلٌ إذا نهض، نهض كالطود الشامخ، وإذا تحدّث، تحدّث بصدق لا يخالطه زيف، وإذا شدّ أزره كان سندًا يُعتمد عليه، هو رجل الجدعنة الأصيلة، والنخوة التي لا تنضب، والشهامة التي لا تُشترى.
ولذلك لم يكن عجبًا أن يصدح الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مقام:
“الصعايدة أرجل الناس، وأكرم الناس، وأكثرهم إباءً وكبرياءً، قومٌ يعتمد عليهم وتُعقد فيهم الثقة.”

صبرٌ وجلادةٌ وبأسٌ لا يلين

لم يولد الصعيدي مترفًا، ولم يتعود الرخاوة ولا الترف. بل خرج من بين الصخور الصمّاء لينحت فيها بيديه حتى يشقّ رزقه. ترى الفتى الصعيدي يشدّ رحاله من قريته، لا يحمل في متاعه إلا حلمًا كبيرًا وعزيمةً صلبة، فينزل أرض العمل غريبًا، لكنه سرعان ما يغدو سيدًا بين الرجال.

إنه لا يعمل ليأكل فقط، بل يعمل ليبني، ويشقى ليُشيّد، ويصبر ليعلو وسرعان ما ترى له مكانةً رفيعة صنعها بعرقه، ومجدًا أقامه بجلده وصبره، وكيانًا أسّسه بعرق الجبين.

عِزوةٌ ونخوةٌ ومروءة

أهل الصعيد عصبةٌ متينة، صفٌّ واحد في وجه المحن، إذا دهمتهم الخطوب تراصّوا كتراصّ البنيان المرصوص، يذودون عن بعضهم بعضًا، ويذوبون حميةً ونصرةً، تراهم على قلب رجلٍ واحد، لا غدر بينهم ولا خيانة.
إنك إذا نظرت في عيونهم أبصرت فيها أنفة الأحرار، وإذا سمعت كلماتهم أدركت فيها وقار الملوك، وإذا رأيت صبرهم أيقنت أن هؤلاء القوم لا يأكلون إلا من كدّ أيديهم، ولا يقتاتون إلا بشرفهم.

الصعيد وحراسة مصر الخالدة

الصعيد درع مصر الواقي، وسيفها البتّار من أرضه خرج العلماء والأدباء، ومن تربته نبت القادة والأبطال، وفي ميادينه تربّت السواعد التي رفعت راية الجيش، وحملت أمانة الأمن، وسطّرت بدمائها سجلات الشرف والفداء.
لقد دفع الصعيدُ من أبنائه قوافل الشهداء في كل معركة، من أيام التحرير إلى زمن البناء، وما زال يقدّم الأوفياء بلا منٍّ ولا فخر، لأن خدمة الوطن عنده فرض عين، والذود عن الأرض عقيدة لا تقبل المساومة.

بدر عبدالعاطي.. أنموذج الصعيدي الأصيل

ومن بين القامات المضيئة يسطع اسم السفير بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية المصري، وابن الصعيد البار. رجلٌ جسّد معنى الوفاء والشهامة في ميدان الدبلوماسية، فكان في المحافل الدولية صورةً ناطقةً عن الصعيدي الأصيل: ثابت الموقف، صادق الكلمة، قوي الحجة، مهيب الطلعة.

تشرب من أرض الصعيد نخوةً وعزيمة، فصار رمزًا للكرامة الوطنية، ومرآةً للصعيد في أرفع المنابر العالمية. إنك إذا سمعته يدافع عن مصر، تحس أن خلفه تاريخًا بأسره، وأرضًا بأكملها، ووجوهًا سمراء من الجنوب تهتف معه: “لن نحني هامة الوطن”.

الصعيد.. أصلٌ لا يزول وجذرٌ لا ينكسر

الصعايدة هم الجذر الذي يمدّ مصر بالحياة، وهم الأصل الذي تستند إليه الأمة في أشدّ اللحظات. من صعيد مصر خرجت القامات التي رفعت مشاعل الفكر، وأضاءت دروب الأدب، وشقّت مسارات العلم.
فيهم تجد الوفاء في أجلى صوره، والشرف في أبهى معانيه، والصبر في أسمى مقاماته.

هم أبناء الأرض الطيبة الذين لا يعرفون الهوان، ولا يقبلون الضيم، ولا ينحنون إلا لله رب العالمين.

نحن الصعايدة.. لسنا رجال الجنوب فحسب، بل نحن حُرّاس الوطن، وسوره الحصين، ودرعه الذي لا يُثلم. نحن الذين إن قمنا قمنا كالأطواد الشامخة، وإن صبرنا صبرنا كالأرض الصلدة، وإن أعطينا أعطينا بكرامة لا نظير لها.

ورثنا عن أجدادنا مجدًا تليدًا وسؤددًا عريقًا، ونحمله اليوم أمانةً لأجيال الغد. وكما شهد الرئيس وقال: “الصعايدة أرجل ناس”.. فإن التاريخ يكتب ويشهد أن الصعيد سيبقى إلى أبد الآبدين حصنًا منيعًا، وخير خلف لخير سلف.

نحن الصعايدة، أهل وفاءٍ ومروءة، وسادةٌ بما نحمله من عزّةٍ وإباء، لا بسيطرةٍ ولا استعلاء، بل بما أورثنا الله من كرامةٍ راسخة ومجدٍ عريق. 

نحن صميم جذره، ومن نَسغ روحه، ومن صُلب تاريخه المجيد. أنا الصعيد… أنا أصله وفرعه… وأنا صعيدي وأفتخر، فبكل قطرة دم في عروقي يزداد كبريائي وعزّي وإبائي 
أنا صعيدي… فالصعيد سيادتي التي لا تُشترى، وكرامتي التي لا تُباع

تابع مواقعنا